لمحات في التراكيب
لمحات في التراكيب
للصقور تركيب عصبي وحسي يجعل ردود أفعالها سريعة جدًّا ومدروسة بشكل يفوق العقل البشري بعشر مرات، إذ يستطيع الدماغ البشري في الثانية الواحدة التقاط خمسة وعشرين حدثًا، في حين يلتقط دماغ الصقر من سبعين إلى ثمانين حدثًا في ذات الثانية، هذا الاختلاف يمكنه من مدِّ قدميه والإمساك بطائر أو يعسوب في الجو، كائن بهذه البراعة والدقة يجب أن يكون ذا منقار قوي وأسنان حادة تمزِّق فقرات الضحايا، و رغم اختلاف أبعاد المناقير من سلالة إلى أخرى فتلك القوة صفة عامة تجنبها الصراعات على الأرض.
بالنسبة لحدة النظر فلها إعجازات تستحق التأمل، فصقر العوسق على سبيل المثال يستطيع تحديد مكان حشرة بحجم 2 مم على بعد 18 مترًا، وتفسير ذلك يقع في نقاط عدة، فعندما تثبِّت الصقور أعينها على فريسة ما فإنها تحرِّك رأسها إلى أعلى وأسفل لرسم صورة مثلَّثة، هذه الأبعاد الثلاثة تمكِّنها من تأكيد مكان الفريسة والمسافة، كذلك لحجم العيون الضخم دور في تلك الحدة، ومن أكثر المعلومات غرابة أن شبكيتها لا تحوي تمامًا أيَّة أوعية دموية، الغرض من ذلك هو منع تكوُّن الظلال أو تبعثر الضوء، وعوضًا عن الأوعية فإن خلايا الشبكية تتلقَّى المغذِّيات من هيكل يسمى البكتين، ومن المعروف وجود نقيرة واحدة لدى الإنسان في شبكيته، لكن الصقور لها نقيرتان ترتكز عليهما صورتان ليتكوَّن لديها صورة حقيقية مجسَّمة، تسمح هذه التراكيب للصقور بمسح الأفق كاملًا دون تحريك رأسها، ونهايةً تكون رؤية الصقور أكثر وضوحًا من الإنسان.
يمتاز الجهاز الهضمي للصقور بمقدرته على هضم اللحوم فقط، أما الريش والفراء فيتم تخزينهما ثم لفظهما بعد ذلك بساعات على هيئة حزمة محكمة، ويذكر أنها لا تشرب كثيرًا حيث تمتصُّ الرطوبة التي تحتاجها من فرائسها، وللصقور القدرة على إفراز حمض البوليك بمعدل 300 مرة أكثر من المستوى الطبيعي في الدم بما يكفي لإحداث تآكل في الصلب، ويوجد هذا الحمض أيضًا في غائط الصقور ويسميه المهتمون بـ”طباشير الصقر”، لتكوُّنه على صورة مادة برازية مع معلق طباشيري من حامض البوليك.
الفكرة من كتاب الصقر
كتاب الصقر هو واحد من مجموعة كتب جمعتها سلسلة تتناول الحيوانات بشكل مفصَّل، أي إنه دراسة لكل ما يتعلق بالصقور من منظور تاريخي ومجتمعي وحتى رمزية استخدامه في السياسة وعبر الأزمان، فلطالما ارتبطت الصقور في أذهاننا بالصلادة والقوة كعلامة لا تستغني عنها الجيوش أو حتى المحاربين منذ عصور مضت، علاوة على كونها رمزًا للنبل والملوكية عند بعض الشعوب كأوروبا مثلًا، وقد اتخذ البعض من صيدها هواية لعلية القوم، وآخرون امتهنوا تدريبها وبيعها بهدف الاسترزاق، هذه الأنشطة تحاربها قوانين منظمات البيئة في الوقت الحالي لما سبَّبته من تهديدات بانقراض أنواع كاملة.
ولأجل حب البشر وتعلُّقهم بالصقور لم تغفل الكاتبة الحديث عن كينونة هذا الكائن جميل الشكل مهاب الهيئة عند الشعوب والثقافات ودوره في تراث الأمم ومعتقداتها وبخاصةٍ في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية ودول الخليج العربي، وكيف استحال ذلك مادة خصبة لنسج القصص والأساطير التي تداخلت مع الأدب والفنون.
مؤلف كتاب الصقر
هيلين ماكدونالد: عالمة الطبيعة وكاتبة وشاعرة ومؤرخة ورسامة من مواليد عام 1970م في المملكة المتحدة، عملت زميلة أبحاث في كلية جيسوس ، وفي أبحاث الطيور الجارحة وتدريب الصقور “صقارة” ومشاريع الحفاظ على البيئة في جميع أنحاء أوراسيا، وهي عضو في قسم التاريخ وفلسفة العلوم بجامعة كامبريدج، كما سبَق لها العمل في عدد من منظَّمات حماية الصقور في بريطانيا والإمارات العربية المتحدة، لها من الأعمال:
H is for Hawk
Vesper Flights
Recovery: Vintage Minis
Through the Wire
Etruscan Reader I