كراهيات مصطنعة
كراهيات مصطنعة
لأن الله وحده هو المطلع على ما في نفوس وصدور عباده انشغل البشر بالفضول حول مشاعر الآخرين تجاههم، لكن لأن الله أعلم بمصلحة البشر أخفى عنهم ذلك، فلو اطلع كل واحد منا على ما في نفس الآخر تجاهه لحدثت أمور جسامٌ، لذا شاع بيننا أن الإخبار بمشاعرنا مع التطبيق بالأفعال يدل على حبنا للشخص، والعكس صحيح لو كانت كراهية، فهناك من يكتمها في صدره، وهناك من تخنقه فيخرجها معبرًا عنها، والكراهيات تنشأ لأسباب حقيقية ومتعددة، ولن تنفجر كراهيات دون مقدمات قبلها لأن الكراهيات تكبر على المشاعر السلبية والحقد، مشاعر لم يعد صاحبها يتحمَّلها فانفجر بها، أما صاحب الكراهية المصطنعة فهو يفعلها لأغراض غير شريفة وكاذبة.
فغالب أسباب شيوع الكراهيات المصطنعة هي المصالح الشخصية، وقد تكون سياسية أو منافسة على سلطة، وهذا أسلوب ماكر قد شاع في التاريخ، فنقلًا عن الجاحظ قال: “معاوية كان يحب أن يغري بين قريش”، وأوقع كثيرًا بين القبائل العربية، وكذلك شائع في حروب الدول مع أعدائها الكراهية سواء على أساس قومي أو ديني أو طائفي، فهو أسلوب خطير يُؤجِّج الشرارات بين الطرفين وفي الغالب ينهزم فيها الضعيف، وقد جرت العادة من تزويرات صحفية أيضًا منها الصور والفيديوهات المزيفة التي ألهبت النيران بين العراقيين والإيرانيين في القرن الماضي أو بين الهنود والباكستانيين، وكذلك الحروب الناعمة بين الدول الشيوعية والليبرالية، وكلها قائمة على إثارة ثورات النفس والنزاعات عن طريق الأخبار المُلفَّقة، وقد ساعد ذلك الفيسبوك وتويتر، والصور التي من السهل تزييفها والتسجيلات، ويقول الكاتب موضحًا أهمية الكراهيات المصطنعة عند أصحاب الحروب: “لا تكاد توجد دولة خاضت حربًا حقيقية وجديَّة ولم تعمد، في الوقت ذاته، إلى شيطنة عدوها وإنتاج كراهيات منفلتة ومؤلمة ضده، بل تصوير هذه الكراهيات المصطنعة كما لو كانت عريقة ومتجذِّرة وضاربة في عمق التاريخ”.
الفكرة من كتاب لماذا نكره؟ أو كراهيات منفلتة مرة أخرى
لقد قام العالم على كل شيء ونقيضه حتى الألوان بها الأبيض ويقابله الأسود، والمشاعر منها الحب والكره، والآراء قد نتفق عليها وقد نختلف، ولكلٍّ منا هوية يُعرف بها ونتنازع حولها من أمم إلى دول إلى أفراد، فالنزاعات بين البشر قد تصل بهم إلى الحروب والكره والأبشع هو القتل، قد تقتل شخصًا لاختلافه معك دون مبالاة منك، بل ستبرِّر فعلتك، وقد استغلَّ هذا كثير من مُحرِّضي العنف سواء من العلماء أو المثقفين أو القادة لخوض حروب ونزاعات عالمية وقبلية بهدف الرأي الواحد والبقاء للأقوى، وفي هذا الكتاب يأخذنا الكاتب إلى نقاشات متعدِّدة حول مفاهيم الكره والحرب والنفس البشرية وما تحمله من جانب مظلم وكراهيات حقيقية ومصطنعة.
مؤلف كتاب لماذا نكره؟ أو كراهيات منفلتة مرة أخرى
نادر كاظم: كاتب وناقد أكاديمي وثقافي بحريني، حاصل على البكالوريوس في اللغة العربية وآدابها، ودرجة الماجستير في النقد الحديث، وكان يعمل محاضرًا ومساعد باحث غير متفرِّغ في جامعة البحرين، وله مؤلفات متعدِّدة منها “الهوية والسرد”، و”طبائع الاستملاك”، و”خارج الجماعة”، و”استعمالات الذاكرة”، و”إنقاذ الأمل”.