الكراهيات المنفلتة
الكراهيات المنفلتة
خطاب الكراهية لا بد أن ينجرف من تحته عنوان شائع ومهم وهو حرية التعبير، وسؤال أكثر أهمية: كيف شاعت الكراهيات المنفلتة بين الأمم والمجتمعات؟
فيما يخص حرية التعبير ظلَّت كل صراعات الدول مع شعوبها حول تحديد ماهية حرية التعبير ونطاقها وأصحاب المصالح السياسية والمجتمعية كانوا الأكثر استغلالًا لأصحاب الكراهية والغضب، فهم سلاح قوي لمصالحهم وضد الآخرين، وسنجد على مر التاريخ النواب السياسيين هم أصحاب الانقسامات والخطابات الطائفية العنصرية، وقد عانت الدول العربية من انقسامات سياسية ودينية وقبلية كذلك، هؤلاء المرشحون هم من يصدرون الكراهيات والعنصرية ليجمعوا أكبر عدد من الأصوات المنحازة لهم ليفوزوا فقط في انتخاباتهم مفعلين سلاحًا مدمرًا لمصالحهم الشخصية لا أكثر، وكل ذلك يؤدي إلى صراع سياسي حول مفهوم الديمقراطية أو أخلاقيات المناقشة كما سماها هابرماس، فعالم فيه نقاش أخلاقي ديمقراطي هو عالم خالٍ من الكراهية والعنصرية.
أما عن إجابة السؤال المهم: كيف شاعت الكراهيات المنفلتة؟ فيبدو أنها انتعشت بسبب انعزال الجماعات بعضها عن بعض، فقد أتاحت الكراهية لأصحابها ألا يكون توافر تكنولوجيا التواصل عائقًا بينهم، بل وفرت لهم الكراهية تكاليف مادية باهظة لأن ما بينهم ظل قائمًا بلا تعديل خارجي، ما زاد من جرأة الكراهية، وقد شاعت الكراهية بين الأديان الثلاثة اليهودية والمسيحية والإسلام، وكذلك العنصرية ضد الأفارقة السود أو الادعاء بأن المسلمين إرهابيون، لكننا ننتقل من شيوع الكراهية إلى لماذا لم تعد الكراهيات المنفلتة تسبِّب حساسية بشكل أكبر عما سبق؟ وهذا بسبب انتشار التكنولوجيا وقرب المسافات والتعبير عن الآراء بشكل جارف جريء بلا دليل على مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها، وكما هو عند المنظِّرين في تاريخ ذهنيات الأشياء قد تكون “ممكنة ومقبولة في فترة معينة وفي ثقافة معينة، ولكنها لم تعد كذلك في فترة أخرى وفي ثقافة أخرى”، لذا تعزَّزت الجرأة في التعبير عن الكراهيات المنفلتة بسبب حمية الانعزال عند الجماعات وإباحة الكتابة والإفصاح عنها بكل وسائل التكنولوجيا المتعددة.
الفكرة من كتاب لماذا نكره؟ أو كراهيات منفلتة مرة أخرى
لقد قام العالم على كل شيء ونقيضه حتى الألوان بها الأبيض ويقابله الأسود، والمشاعر منها الحب والكره، والآراء قد نتفق عليها وقد نختلف، ولكلٍّ منا هوية يُعرف بها ونتنازع حولها من أمم إلى دول إلى أفراد، فالنزاعات بين البشر قد تصل بهم إلى الحروب والكره والأبشع هو القتل، قد تقتل شخصًا لاختلافه معك دون مبالاة منك، بل ستبرِّر فعلتك، وقد استغلَّ هذا كثير من مُحرِّضي العنف سواء من العلماء أو المثقفين أو القادة لخوض حروب ونزاعات عالمية وقبلية بهدف الرأي الواحد والبقاء للأقوى، وفي هذا الكتاب يأخذنا الكاتب إلى نقاشات متعدِّدة حول مفاهيم الكره والحرب والنفس البشرية وما تحمله من جانب مظلم وكراهيات حقيقية ومصطنعة.
مؤلف كتاب لماذا نكره؟ أو كراهيات منفلتة مرة أخرى
نادر كاظم: كاتب وناقد أكاديمي وثقافي بحريني، حاصل على البكالوريوس في اللغة العربية وآدابها، ودرجة الماجستير في النقد الحديث، وكان يعمل محاضرًا ومساعد باحث غير متفرِّغ في جامعة البحرين، وله مؤلفات متعدِّدة منها “الهوية والسرد”، و”طبائع الاستملاك”، و”خارج الجماعة”، و”استعمالات الذاكرة”، و”إنقاذ الأمل”.