الذكريات والكراهية
الذكريات والكراهية
يقول الكاتب في كتابه استعمالات الذاكرة: “ثمَّة علاقة دعم وتحفيز متبادل بين الألم والذاكرة، حيث يضطلع الألم بتخليد الذاكرة، فيما تضطلع الذاكرة بتخليد الألم والإبقاء على ذكراه طرية متجددة”، حيث يتعامل هذا الكتاب مع حالات التذكر الجماعي لا الفردي، فيجبر الناس على التذكر بالآخرين حتى لو أنكر لدرجة النسيان ذكره الآخر، وهناك ذكريات لا تُنسى، فذكرى ألمها إرادية عند الفرد تجعله يتذكرها بتلقائية دون مفر منه، بل تجعله يكره الذكرى والألم المسبِّب له، لذا قال الكاتب عن علاقة الذاكرة بالكراهية: “والكراهية واحد من مسببات هذا الألم، ولهذا فإن الألم الذي ينتاب البشر بسبب كراهية حقودة تستهدفهم أو تحقير بغيض يكون من نصيبهم وحدهم، هذا النوع من الألم مرشح بقوة ليبقى في الذاكرة بحيث يستعصي على النسيان، فهو أشبه بجرح لا يلتئم أبدًا، وإن التأم فإن أثره باقٍ لا محالة مثل وشم قديم، هكذا يبدو ألم الكراهية والتحقير والإهانة وكأنه يخلد وجوده في الذاكرة، ويخلد معه هذه الذاكرة، ذاكرة الكراهية”.
فالإنسان عقله قد يدفعه إلى نسيان مناسبات سعيدة لكن ذكريات الكراهية لا تُنسى، بل هذه الذكريات تظل تؤرق معيشته، وهذا ينطبق على تعذيب أصحاب البشرة الملونة أو السوداء كما لقبهم الغرب من تحقير واضطهاد كما اعتبروهم عبيدًا لديهم، على مر التاريخ كان أكثر الأشخاص المتأمِّلين وأكثرهم تذكرًا لآلامهم هم الذين عانوا، قد يُدَّعى أن المنتصرين يكتبون تاريخهم، لكن هذا ليس صحيحًا كليةً، فالمنتصرون هم أكثرهم نسيانًا غير مبالين وإذا خابت آمالهم يومًا عادوا إلى انتصاراتهم يذكِّرون بها أنفسهم وغيرهم غير عابئين بأفعالهم، ولكن وحدهم المنهزمون هم الذين يعانون ولا ينسون، وتنحفر في ذاكرتهم كل الهزائم والمعاناة ولا يبحثون إلا عن المواساة وطرق التخلص من ذكريات الكراهية والهزيمة.
الفكرة من كتاب لماذا نكره؟ أو كراهيات منفلتة مرة أخرى
لقد قام العالم على كل شيء ونقيضه حتى الألوان بها الأبيض ويقابله الأسود، والمشاعر منها الحب والكره، والآراء قد نتفق عليها وقد نختلف، ولكلٍّ منا هوية يُعرف بها ونتنازع حولها من أمم إلى دول إلى أفراد، فالنزاعات بين البشر قد تصل بهم إلى الحروب والكره والأبشع هو القتل، قد تقتل شخصًا لاختلافه معك دون مبالاة منك، بل ستبرِّر فعلتك، وقد استغلَّ هذا كثير من مُحرِّضي العنف سواء من العلماء أو المثقفين أو القادة لخوض حروب ونزاعات عالمية وقبلية بهدف الرأي الواحد والبقاء للأقوى، وفي هذا الكتاب يأخذنا الكاتب إلى نقاشات متعدِّدة حول مفاهيم الكره والحرب والنفس البشرية وما تحمله من جانب مظلم وكراهيات حقيقية ومصطنعة.
مؤلف كتاب لماذا نكره؟ أو كراهيات منفلتة مرة أخرى
نادر كاظم: كاتب وناقد أكاديمي وثقافي بحريني، حاصل على البكالوريوس في اللغة العربية وآدابها، ودرجة الماجستير في النقد الحديث، وكان يعمل محاضرًا ومساعد باحث غير متفرِّغ في جامعة البحرين، وله مؤلفات متعدِّدة منها “الهوية والسرد”، و”طبائع الاستملاك”، و”خارج الجماعة”، و”استعمالات الذاكرة”، و”إنقاذ الأمل”.