تعليمُ المرأة
تعليمُ المرأة
لقد رُسّخَ في أذهان الرجال، أن تعليمَ المرأة وعفّتَهَا لا يجتمعان، وقال الأقدمون في ذلك أقوالاً طويلة، وحكاياتٍ غريبة، ونوادرَ سخيفة، استدلوا بها على نُقصَانِ عقلِ المرأة، واستعدادِهَا للغشِّ والحِيلة، فلو تعلمَتْ لم يَزِدْهَا التعليمُ إلا براعةً في الاحتيالِ والخُدَعَة، واسترسالاً مع الشّهْوَة. فحَذَونا حَذوَهُم، واعتقدنا أن التعليمَ يزيدُ تفنُنَها في المَكْر، ويعطيها سلاحاً جديداً تتقوى به طبيعتُها الخبيثةُ على ارتكابِ المفاسِد.
ينتقد “قاسم أمين” ذلك الخوفَ من تعليم النساء؛ موضحًا أنهُ ليس له أيُّ أساسٍ من الصِّحة.
وبما أنّ العقلَ هو الذي أوصلَ المرأةَ الغربية إلى ما وصلت إليه، وهو الذي يقودُ لمحاربةِ الاستبدادِ؛ الذي تُعتبرُ وضعيةُ المرأةِ العربية، أحدُ وُجوهِهِ البارزة. لذلك، يُطالب “قاسم أمين” بتربيةِ المرأةِ مِنَ الصِغَر، وتعلِيمِهَا تعليمًا كافيًا أُسْوَةً بالرجل؛ فتربيةُ وتعليمُ المرأةِ ما هما إلا المدخلَ لمُسَاهمَتِهَا في بناءِ المُجتمع.
كما دافعَ الكاتِبُ عن خُروجِ المرأةِ للعمل، فلا شيء يمنعُ المرأةَ المِصريةَ، من أن تعملَ كالغربيةِ بالعلوم والآداب والفنون الجميلة والتجارة والصناعة؛ إلا بسببِ إهمالِ تعليمِها وتربيتها. وهو يرى أن التعليمَ ليس خِيارًا؛ بل أمرًا لا بدَّ منه -فالمرأة ينبغي أن تتعلمَ ما يتعلمُهُ الرجلُ بالتعليمِ الابتدائي على أقل تقدير- كي تستطيعَ إدارةَ منزلِهَا وحياتِها، كما أشارَ إلى أن المرأةَ حتى وإن امتلكتِ المالَ والثروة؛ فبالعلمِ يمكنُهَا إدارةُ عملِهَا، ويمكنُهَا أن تحميَ نفسَهَا من تركِ الوِصايةِ على مالِهَا لرجلٍ غريبٍ كانَ أو قريب؛ كي يتحكمَ في أعمالِها.
أيضًا، إن الرجلَ متى ما رأى امرأتَهُ بمنزلةِ الجَهْل؛ بادرَ إلى احتقارِهَا، واعتبَرَهَا من الأَعْدامِ التي لا أثَرَ لها في شُؤونِه. وهي متى رأته أهْمَل؛ ضاق صدرُها، وظنّت أنه يظلِمُهَا، وبكت سُوءَ حظِها الذي ساقها رجلًا لا يَقدِّرُ قدْرَهَا، ونبتتِ البغضاءُ في قلبها، ومن ثم تبتديءُ عِيشةٌ، لا أظنُّ أن الجحيمَ أشدَّ نَكالاً منها، عِيشَةٌ يرى كلٌّ منهما فيها أن صاحبَهُ هو العدو، الذي حالَ بينَهُ وبين السعادة.
الفكرة من كتاب تحرير المرأة
بالرُغم من أنّ هذا الكتاب طُبِعَ عام ١٨٩٩م، إلاّ أن كاتبَهُ قد نجَحَ في طرحِ مَواضيعَ، لا تزالُ ذاتَ أهميةٍ إلى يومِنَا هذا.
يرى “قاسم أمين” أن هناك تلازُمًا بين انحطاطِ المرأةِ، وانحطاطِ الأمةِ وتوحُّشِهَا، وبين ارتقاءِ المرأةِ وتقدُّمِ الأمةِ ومَدَنيتِها؛ فهو يُؤسِّسُ دعوتَهُ لتحريرِ المرأةِ المصريةِ ـ والعربيةِ بالضرورة ـ على أهميةِ ذلك، للأمم.
كما يرى أن إنصافَ المرأةِ في التعليم؛ شرطٌ أساسيٌ لبناءِ شخصيتِهَا ومُمَارسةِ دَورِهَا في المجتمع، ويطلبُ من الحكومةِ السعيَ لإصدارِ القوانينَ التي تضمنُ للمرأةِ حُقوقَهَا؛ بشرط أن لا تخرجَ هذه الحقوقُ عن الحدودِ الشرعية.
مؤلف كتاب تحرير المرأة
وُلِدَ “قاسم أمين” عام 1863م، لأبٍّ تركي عثماني، وأم مصرية من صعيد مصر، وتمكّنَ بفضل وضعِ عائلتِهِ الاجتماعية، التي كانت تتسِمُ باليُسْرِ والدَعَة، من أن يتدرجَ بسُهُولةٍ في كل مستوياتِ التعليم؛ حتى تخرّجَ في كلية الحقوق، وهو لا يتجاوز العشرين عامًا، عَمِلَ بالقضاء بعد عودته من بعثةٍ دراسية لفرنسا، وساهمَ في الدعوةِ لإقامةِ الجامعةِ المِصْرية.