تفكيك بنية المجتمع
تفكيك بنية المجتمع
كانت عملية تحويل الملكية العامة (المشتركة) إلى ملكية خاصة (فردية) عملية تنسجم مع قيم الرأسمالية التي مثلت بريطانيا في ذلك الوقت نموذجها المميز، وهو ما أخذت بريطانيا الاستعمارية في فرضه على المجتمع الفلسطيني، بغرض إحلال نموذج رأسمالي اجتماعي واقتصادي جديد يُمكن من خلاله تفكيك بنية المجتمع الأصلية -التي كانت تقوم على آلية المشاع فيما يخص استعمال الأرض- لتتمكَّن من بناء الوطن القومي لليهود، وقد نجحت بريطانيا في تحطيم البناء الاجتماعي والاقتصادي التقليدي للمجتمع، باستخدام عدة آليات أبرزها: قوانين الأرض التي سبق ذكرها خصوصًا قانون التسوية، وتصفية الملكية، وسياسة الامتيازات والإفقار الاقتصادي المتعمَّد للشعب الفلسطيني.
فمن خلال قانون التسوية التي قامت على إثره سلطات الاحتلال بمسح الأراضي وتحديد مالكيها ومستأجريها، استطاعت بريطانيا مضاعفة الضرائب المفروضة واستطاعت تفكيك المشاع كآلية للتقسيم بين الفلاحين، فتقلص المشاع القروي من 70% من مساحة فلسطين عشية الاحتلال البريطاني حتى وصل إلى 20% عام 1940، كما ساعد القانون على تفريغ مساحات شاسعة من الأراضي ليمكن استقبال هجرات جديدة لليهود، ومع عملية الإفقار المتعمدة التي نتجت عن الرفع الهائل للضرائب والمراباة التي كان يضطر إليها الفلاحون لسداد الضرائب، وعقب إغلاق البنك الزراعي العثماني الوحيد في البلاد الذي كان يعتمد عليه الفلاحون في الاقتراض، اضطر كثير من الفلاحين إلى بيع أراضيهم أو تركها غصبًا تحت وطئة الديون والفوائد، وأخيرًا كان ما منحته بريطانيا من امتيازات مطلقة في الأراضي للشركات اليهودية، هو المعول الأخير في القضاء على ما تبقى للمجتمع الفلسطيني من تماسك أو عوامل قوة.
الفكرة من كتاب الجذور الاجتماعية للنكبة: فلسطين 1858-1948
يناقش هذا الكتاب واحدة من أهم القضايا المتعلقة بالمسألة الفلسطينية والتي روَّج لها على نحو متعمد ليخدم نظرة معينة إلى القضية الفلسطينية ويضلِّل أعين الشعوب عن الحقيقة، ألا وهي قضية الأرض وكيف سيطر اليهود على الأراضي الفلسطينية، ومدى صحة المقولة التي تم الترويج لها القائلة إن الفلسطينيين هم من باعوا أراضيهم لليهود!
ويعرض الدكتور أكرم حجازي التطورات التي لحقت بالأرض وسبل التعامل معها وطرق تفاعل المجتمع معها منذ العهد العثماني والتغيرات المهمة التي لحقتها بعد قانون الطابو، وكيف فتح الطريق أمام الرأسمالية الغربية واليهودية لتدخل فلسطين، وأخيرًا الدور الجوهري والرئيس للاحتلال البريطاني الذي مزَّق البناء الاجتماعي والاقتصادي وهيَّأ كل السبل الممكنة لتحقيق وعد بلفور ببناء وطن قومي لليهود في فلسطين.
مؤلف كتاب الجذور الاجتماعية للنكبة: فلسطين 1858-1948
د. أكرم حجازي: كاتبٌ وباحثُ، وأستاذٌ جامعي سابق، حاصل على إجازة في الصحافة وعلوم الاتصال، وحاصل على الدكتوراه من جامعة تونس الأولى في علم الاجتماع، وهو مؤسس ومدير موقع المراقب للدراسات والأبحاث الاجتماعية.
له مؤلفات أخرى هي: “دراسات في السلفية الجهادية”، و”مرابط النظام الدولي”.