تحرير النفس
تحرير النفس
يقول ابن القيم: “خلق ابن آدم من الأرض وروحه من ملكوت السماء، وقُرِن بينهما، فإذا أجاع بدنه وأسهره وأقامه في الخدمة، وجدت روحه خفةً وراحة، فتاقت إلى الموضع الذي خُلِقت منه، واشتاقت إلى عالمها العلوي، وإذا أشبعه ونعَّمه ونوَّمه، واشتغل بخدمته وراحته، أخلد البدن إلى الموضع الذي خلق منه، فانجذبت الروح معه، فصارت في السجن”.
ورمضان تحرير للعبد من شهواته وعاداته، من أسر الدنيا وملذَّاتها، المال والولد والجاه وحتى البلايا التي تعظم الدنيا في عينيه فيقع تحت سطوتها، فيأتي رمضان ليحرِّره ويعيد الأمور إلى نصابها ويوجِّهه إلى الذي خلقه وخلق كل ما انشغل به عنه، وفي تحجيم النعم ومنعه منها طيلة النهار يتذكَّر قيمة تلك النعمة التي ألفها وألف تلبيته لحاجته منها دون عناء ولا جهد فيحمد الله على ما أنعم عليه، كل تلك التربية للنفس وتغيير العادات اليومية من أصغر إلى أكبر تفصيلاتها مواعيد النوم والطعام والممارسات اليومية كل ذلك يتغير في رمضان، فيعالج ما فعلته بنا الأيام والدنيا من قبل مجيئه، فيبني الصوم فينا الإرادة والقدرة على ضبط ذاتنا ويعلمنا قول لا لأنفسنا وأهوائنا.
فرمضان شهر الصبر، والصبر ثلاث: صبر على الطاعة، وصبر عن المعصية، وصبر على المشقة أو البلاء، وثلاثتها تجتمع في رمضان في مدرسة تدريبية تربي المؤمن على الصبر فيتزوَّد به لبقية العام، و ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾، حتى الصبر عن جهالات الناس، فتجد النبي يقول: “وإن امرؤٌ قاتله أو شاتمه فليقل إني صائم مرتين”، فمن ابتلي بمعصية أو عادة سيئة فإن رمضان فرصته للتدريب على تركها يهيئ له الله فيه كل السبل التي تأخذ بيده إليه.
الفكرة من كتاب من الطارق؟ أنا رمضان
يقول الرسول (صلى الله عليه وسلم): “إذا كانَت أوَّلُ ليلةٍ من رمَضانَ صُفِّدتِ الشَّياطينُ ومَردةُ الجِنِّ، وغلِّقت أبَوابُ النَّارِ فلم يُفتَحْ منها بابٌ، وفُتِحت أبوابُ الجنَّةِ فلم يُغلَقْ منها بابٌ، ونادى منادٍ يا باغيَ الخيرِ أقبِلْ، ويا باغيَ الشَّرِّ أقصِر، وللَّهِ عتقاءٌ منَ النَّارِ وذلِك في كلِّ ليلةٍ”، فذا هو الشهر الكريم، وهذه نفحة من عطاياه من أول ليلة فيه، فيا باغي الخير لبِّ النداء وأقبل بكل جوارحك، وازهد الآن في الدنيا، وقصِّر أملك فيها، وأحسِن الظن برب كريم منحك هكذا شهرًا كريمًا، “ودبِّر لدينك كما دبَّرت لدنياك”، فإن الخسران كله أن ينقضي الشهر ولم تنهل منه.
يعدُّ الكتاب الذي بين أيدينا خطة عمل لكل مسلم يريد الاستعداد للشهر الفضيل، ليدرك فضله، وأبواب الخير فيه، وما قد يعوق سيره ليجتنبه، لعلَّ الله يقبلنا فيه ويكون لنا فيه بعثٌ جديد.
مؤلف كتاب من الطارق؟ أنا رمضان
خالد أبو شادي، دكتور صيدلي وداعية إسلامي مصري، ولد عام 1973 في محافظة الغربية، نشأ في الكويت ثم أكمل تعليمه الجامعي بمصر، اشتغل في دعوته على الجانب الروحي والإيماني وتزكية القلوب، وتميز بخطابه السهل الرقيق، وله عدد من المؤلفات والمرئيات على التلفزيون واليوتيوب.
من مؤلفاته:
أول مرة أصلي.
سباق إلى الجنان.
الحرب على الكسل.
هُبي يا ريح الإيمان.