الوعي واللغة
الوعي واللغة
يرى الماركسيون أنه لا وجود للوعي بلا مادة لأن الوعي من ثمار المادة ومنتجاتها، وليس من ثمار أي مادة، بل هو ثمرة مادة عالية التنظيم، هي “الدماغ”، فإن كنا نتفق معهم في أن وجود الوعي يلزم منه وجود واعٍ، إلا أننا لا نتفق مع زعمهم بأن الوعي من ثمار المادة، إذ لا دليل على زعمهم هذا، كما أنه قد يكون شيئًا آخر غيرها، أضف إلى ذلك أن حصرهم الوعي في الدماغ دون غيره من أجزاء الجسم، مجرد ادعاء لا دليل عليه أيضًا.
كما أننا إذا سلَّمنا بأن الوعي ثمرة “مادة عالية التنظيم”، فسيراودنا سؤال: من ذا الذي قام بعملية التنظيم؟! فلا ريب أن التنظيم يحتاج إلى منظم، ولا شك أن هذا تعبير عن الإله الخالق، كما أنه في حال قمنا بتطبيق قانون الديالكتيك الثاني “تحول الكم إلى كيف” على هذا الادعاء، فإن دماغ الإنسان في المتوسط يبلغ (1343) جرامًا، بينما حجم دماغ الحوت -مثلًا- يزيد على خمسة كيلوجرامات، فلماذا -إذن- لا يتمتَّع الحوت بالوعي؟! فوفق القانون الثاني للديالكتيك، كان يجب أن يتمتَّع الحوت بوعي يربو على ضعفي وعي الإنسان، ولكن هذا ما لا نراه!
تزعم الماركسية كذلك أن “اللغة” نشأت عن طريق طول اقتران المثيرات الصناعية (أي الأصوات العشوائية) بالإحساسات (التي هي مثير طبيعي)، ومن خلال هذا الاقتران تولَّدت اللغة، ثم نشأت العلاقات الاجتماعية بين الأفراد، وذلك كله قبل أن يتمتع الإنسان بالوعي والفكر! لك أيها القارئ أن تتخيَّل -وتحكم- أنه عن طريق (الحظ الأعمى والمصادفة) امتلك الإنسان أداة اللغة التي تساعده على التخاطب والتفاهم، بينما الحيوان زميل الضرب لم يمتلكها، ولا يزال على تلك الحال من العجمة لا يستطيع أن يصنع لغة أو ينشئ علاقات اجتماعية!
الفكرة من كتاب نقض أوهام المادية الجدلية (الديالكتيكية)
تكمن خطورة المادية الجدلية -مثلما يرى البوطي- في انبهار ذوي الثقافة المحدودة بها وانجذابهم إليها بعيدًا عن مقتضى العقل ورقابته الموضوعية الواعية، فدُعاة الشيوعية يقدِّمونها للناس على أنها واقع الكون والحياة الإنسانية الذي لا سبيل إلا الخضوع لها، والعلاج من هذا الانبهار والانجذاب إلى تلك الفلسفة يكمن في الرجوع إلى الفكر والعقل، فمن خلال العقل والمنطق الموضوعي سنجد أن المادية الديالكتيكية تتعارض بشكلٍ فجٍّ مع حقائق ووقائع التاريخ، كما أنها تخالف في كثير منها مقتضى العقل، بالإضافة إلى تعارضها مع العلم.
مؤلف كتاب نقض أوهام المادية الجدلية (الديالكتيكية)
الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي: عالم سوري، وأحد علماء الإسلام الأفذاذ، له عشرات الكتب في علوم الشريعة، والآداب والتصوُّف والفلسفة والاجتماع، كما أن له كتبًا في نقد الإلحاد والفلسفات المادية، ومن مؤلفاته: “كبرى اليقينيات الكونية”، و”اللامذهبية أخطر بدعة تهدِّد الشريعة الإسلامية”، و”حرية الإنسان في ظلِّ عبوديته لله”.