الإدارة الإسلامية في عهد بني أُمية
الإدارة الإسلامية في عهد بني أُمية
كان معاوية من دواهي العرب ومن كتاب الوحي للنبي ﷺ، وله تجرِبة طويلة في إمارة الشام استمرت نحو عشرين سنة، فقد نشأ في بيتٍ يعالج فيه صاحبه شؤون الناس ويتألَّفهم ويعرف ما يصلحهم، فأخذ منه هذه المعاني، وقد حافظ معاوية على أصول رسول الله ﷺ وخلفائه في الإدارة ودعا إلى الخروج بها من سذاجة البداوة إلى طور الحضارة.
ولم يكن يصدر قراراته إلا عن مشورة، وله ولآل بيته مجالس تعقد في المسجد لبحث سياسة البلاد، فكانت مجالسهم أشبه بمجالس النواب، ولتوطيد دعائم دولته لجأ إلى طرائق مؤثرة في الدعوة، فجعل القصاص أو الوعاظ في المساجد والمعسكرات يدعون لدولته وينفرون من أعدائها، وكان يتخيَّر عماله من أكفأ أهل بيته أو من غيرهم من رجال دولته، وما كان يستخدم الحزم حيث يصلح اللين، وكان شديدًا على من يحاولون الانقلاب عليه.
كان (رضي الله عنه) أول مسلم غزا في البحر وأنشأ الأسطول، ونظم الجيش وضاعف عطاءه، ووفق لاستخدام أعظم رجال الإدارة كعمرو بن العاص، غير أنه أخطأ بإطلاق يد زياد في قمع العراق وحصر الحكم في أهل بيته، ولكن زياد كان داهيةً مثل معاوية في الحكم، تولى العراق وهو يغلي بسبب مقتل علي (رضي الله عنه) فأحاط بأهله وأصلح أمره، وكان يؤثر الأعمال على الأقوال فبنى بالبصرة أحياءً ودورًا ومساجد وحفر ترعًا وأنهارًا.
أما عبد الملك بن مروان فأدخل أمورًا جديدة في الإدارة فأفرد للمظالم يومًا، وضرب الدراهم المنقوشة وكتب على الدنانير (قل هو الله أحد)، وأنشأ وظيفة صاحب الشرطة، وأتى الوليد ابنه من بعده فعمر البلاد وأقام المصانع، وزاد عطاء الناس، واستقرت الدولة وانتظمت الإدارة.
ولما ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة صرف عمال بني أمية ورد المظالم ولم يرتزق من بيت المال شيئًا وكسر آنية الخمر وأغلق الحانات وأمر عُمَاله بالرفق بأهل الذمة ولو كبر الرجل منهم وليس له مال تنفق عليه الدولة، واتخذ دار الطعام للمساكين والفقراء وابن السبيل، وأوصى ألا يُصيب أحد من هذه الدار شيئًا من طعامها لأنه خاص بمن طُبِخ لهم.
الفكرة من كتاب الإدارة الإسلامية في عز العرب
يذهب بعض الناس إلى أن معارف الحضارة الإسلامية مقلدة عن فارس والروم، ولو صح ما قالوا لكانت قوانين فارس والروم باقية ولما استطاع العرب نزع سلطانهم وتثبيت حكمهم مكانهما، ويثبت الكاتب في هذا الكتاب أن الإسلام ابتكر وأبدع في الحرب والإدارة السياسية، كما اخترع وأبدع في العلم والتشريع وأسباب المدنية بالتعرض لأحوال ثلاثة أزمنة وأحوال خلفائها فيها وكيف كانوا يديرون البلاد.
مؤلف كتاب الإدارة الإسلامية في عز العرب
محمد كرد علي: مفكر وأديب سوريٌ وُلِد بدمشق عامَ ١٨٧٦م لأبٍ كردي وأمٍّ شركسية، كان شديدَ الشغف بالقراءة والاطِّلاع؛ فكان والِدُه يمدُّه بكثير من الكتبِ المختلِفةِ الموضوعات، وقد دافَعَ طوالَ عمره عن اللغة العربية، وشدَّد على ضرورة الاعتناء بها في مراحل التعليم، وكان وزيرًا للمعارف والتربية في سوريا، وأيضًا تولَّى رئاسةَ مَجْمَع اللغة العربية بدمشق.
من مؤلفاته: “أقوالنا وأفعالنا”، و”الإسلام والحضارة العربية” و”غابر الأندلس وحاضرها”، وتُوفِّي عامَ ١٩٥٣م ودُفِن بدمشق بجوار قبر معاوية بن أبي سفيان.