فلما استَحكَمَت حلَقاتُها فُرِجَت
فلما استَحكَمَت حلَقاتُها فُرِجَت
بعد مضي أربعين ليلة على هجر المجتمع الإسلامي للثلاثة المخلَّفين عن الغزوة أرسل النبي (صلى الله عليه وسلم) رسولًا إلى كعب وصاحبيه (رضي الله عنهم) يبلغهم أن عليهم اعتزال زوجاتهم في الفِراش، ففعل كعب (رضي الله عنه) ذلك وألحق امرأته بأهلها وامتثل الثلاثة (رضي الله عنهم) لذلك الأمر الذي وصفه ابن القيم (رحمه الله) بأنه بشارة الفرج والفتح لسببين: الأول أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أرسل إليهم من يكلمهم بعد أن كان لا يكلمهم النبي (صلى الله عليه وسلم) بنفسه أو بواسطة رسله، والسبب الثاني أن اعتزالهم النساء إرشاد لهم للتفرُّغ للعبادة والاستعداد لقرب الفرج.
ولم ييأس الصحابي كعب بن مالك (رضي الله عنه) رغم تطوُّر العقوبة واشتداد الأزمة، فما زاد على أن قال لامرأته: “الحقي بأهلك فتكوني عندهم حتى يقضي الله في هذا الأمر”، ما ينم عن حسن ظنه بربه والأمل في الفرج خلافًا لما يفعله أكثر الناس اليوم من استغراق في اليأس حتى يتملَّك منهم. ولكن لم يمنع هذا الأمل وحسن الظن كعبًا (رضي الله عنه) من الاهتمام بعواقب الأمور وما قد تؤول إليه لو لم يكن الفرج قريبًا؛ إذ خشي على نفسه الفتنة وخاف أن يموت دون أن يصلي عليه النبي (صلى الله عليه وسلم) والمسلمون، وبذلك نعلم أن في الموازنة خيرًا بين حسن الظن والنظر في العواقب.
لقد ضاقت نفس كعب (رضي الله عنه) عليه وضاقت عليه الأرض بما رَحُبَتْ وكان جالسًا يصلي صلاة فجر صُبح الليلة الخمسين فسمع مناديًا ينادي بتوبة الله (عز وجل) عليه، وذهب إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فتلقَّاه الناس بالتهنئات والمُباركات وعمَّ الفرح المجتمع الإسلامي بأسره كما لو أنه يوم عيد، ونجا كعب (رضي الله عنه) بصدقه، ولو أنه كذِب كما كذب أهل النفاق لهلك.
الفكرة من كتاب إلى من ضاقت عليه نفسه
تشتد الأزمات والصعاب على نفس الإنسان، ولربما كان اليأس أقرب إليه من شِراك نعله مع تجذُّر الهشاشة النفسية في النفوس حاليًّا، وقد يهرب الناس من الصدق إلى الكذب فرارًا من عواقب الصدق دون اعتبار لقيمة الصدق ومحاسن عواقبه الأخرى، وقد يجد بعضهم في المصائب كل الشر وأنه ما من خير فيها قط، وبعضهم يُقعِده الخطأ عن مواصلة المسير، ولو عددنا ما يعتري الإنسان في مواجهة الصعاب لاحتاج ذلك إلى مجلدات، ولكننا في هذا الكتاب نجد تجربة عجيبة للصحابي كعب بن مالك (رضي الله عنه) حدَّث بها كيف بدأت؟ وإلى أي شيء انتهت؟ وقد نُقِلت إلينا لنستفيد منها ونتعلَّم الدروس.
مؤلف كتاب إلى من ضاقت عليه نفسه
يحيى بن إبراهيم اليحيى: ولد عام 1376 هجرية بالسعودية، وشغل منصب وكيل كلية العلوم العربية والاجتماعية بالقصيم، ووكيل مركز الدعوة وعميد شؤون الطلاب بالجامعة الإسلامية.
ومن مؤلفاته: “مشاهدات في بلاد البخاري”، و”أعذار المتقاعسين”، و”أليس في أخلاقنا كفاية”.