إسبانيا بين القوط والعرب
إسبانيا بين القوط والعرب
كان يحكم إسبانيا القوط الغربيون، وهم قبائل متوحشة اكتسحت ممالك الإمبراطورية الرومانية، استولت على إسبانيا دون عناء في القرن الخامس الميلادي، حتى وصل العرب في أوائل القرن الثامن الميلادي، وكانت العادة بين أمراء المملكة أن يرسلوا بناتهم وأبناءهم إلى القصر لتهذيبهم، فأرسل الكونت يوليان حاكم سبتة ابنته فلورندا إلى قصر الملك لذريق بطليطلة، وأُعجب لذريق بها فاعتدى عليها، فغضب يوليان وأعادها إلى سبتة وقرر الانتقام.
وسرعان ما تحالف يوليان مع موسى بن نصير الوالي الأموي على شمال أفريقيا، بعدما كانا عدوين، ثم أخذ يحرضه عما في إسبانيا من الجمال والثروات، ووعده بمساعدته وإرشاده إلى الطريق وإمداده بالسفن، فلم يتعجَّل موسى وأرسل للخليفة الأموي يستأذنه، واكتفى بإرسال خمسمائة رجل على أربع سفن ليوليان للإغارة على شاطئ الأندلس بقيادة رجل يُدعى “طريف”، وتأكدوا من فقدان وسائل الدفاع بإسبانيا.
في سنة اثنتين وتسعين للهجرة، علم موسى أن لذريق مقيم في شمال إسبانيا لقمع ثورة البَشْكُنْس، فأرسل أحد قواده وهو طارق البربري ومعه سبعة آلاف رجل للإغارة على الأندلس، واستولى طارق وجيشه على صخرة الأسد التي سُميت بعد ذلك بجبل طارق، ثم دخل كارتية، واستطاع التوغل بالبلاد رغم جيشه الصغير، والتقى جيشَ لذريق الضخم على شاطئ يُسمى “وادي لكّة” بالقرب من نهر وادي لكَّة، وصاح طارق في رجاله: “أيها الناس، العدو أمامكم والبحر وراءكم، وليس لكم والله إلا الجلد والصبر”، وهجم المسلمون خلف قائدهم، واستمرت المعركة أسبوعًا، وهُزم جيش لذريق بعدما فرَّ معظمه.
الفكرة من كتاب قصة العرب في إسبانيا
تفاجأ العالم بعد القرن السابع الميلادي بالعرب ينزعون العزلة عنهم، ويخرجون فاتحين العالم شرقًا وغربًا، وكل هذا سببه رجل واحد، وهو محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وسلم)، الذي عظم تأثير دعوته في قلوبهم فتغيَّرت طبائعهم وأخلاقهم، وتوحَّدوا بعد أن كانوا أشتاتًا من قبائل متفرقة، فاكتسحت جيوشهم أقوى البلاد على وجه الأرض آنذاك، وامتدت دولتهم من آسيا الوسطى لتصل إلى تلك البلاد التي شهدت جرأة طارق، وإقدام عبد الرحمن الداخل، وعزيمة الناصر، وعبقرية المنصور، صاحبة تاريخ كله عراك ونضال وصخب طوال ثمانية قرون، ومن العجب أنه رغم ذلك كانت هي شعلة النور والحضارة.. إنها الأندلس؛ إسبانيا اليوم.
مؤلف كتاب قصة العرب في إسبانيا
ستانلي لين بول (1854-1931م): مستشرق وعالم آثار بريطاني عمل في مصر كعالم مصريات، ثم شغل كرسي الأستاذية للدراسات العربية في جامعة دبلن الأيرلندية.
له عدد كبير من المؤلفات تخص التاريخ الإسلامي والعربي، أهمها: “دراسات في مسجد”، و”تاريخ مصر في القرون الوسطى” و”مختارات لين من القرآن”.