فاتحة الكتاب
فاتحة الكتاب
افتتح ابن القيِّم حديثه بفاتحة الكتاب لما تشتمل عليه من أمهات المطالبِ العالية أتمَّ اشتمال، فاشتملت على التعريف بالمعبود (تبارك وتعالى)، فبُنِيَت السورةُ على الإلوهية، والربُوبِيَّة، والرحمة بطلب الهداية إلى الصراط المستقيِّم، وتضمَّنت إثباتَ المعاد، وجزاءَ العباد بأعمالهم، واشتملت على شفاء القلوب، فمدار اعتلال القلوب على أصلين: فساد العلم وفساد القصد.
فهداية الصراط المستقيم تتضمن الشفاء من مرض الضلال، والتحقق بـ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ علمًا ومعرفة، وعملًا وحالًا يتضمن الشفاء من مرض فساد القلب وقصده، ثم إن القلب يعرض له مرضان عظيمان وهما: الرياء والكِبر، فدواء الرياء ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ ودواء الكبر ﴿إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾، فإن حصل للقلب شفاؤه وتمَّت عليه العافية كان من المُنعم عليهم غير المغضوب عليهم.
كما تتضمن الفاتحة الشفاء للأبدان، ففي الحديث لما ذكر الصحابي أنه قرأها على رجل قد لُدغ، قال رسول الله (صلى الله عليه وسلَّم): “وما يدريك أنها رُقية؟”، وذلك لحصول الشفاء، أما قوله تعالى ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ فيعلم العبد حاجته إلى هذه الدعوة، فنحن محتاجون إلى الهداية التامَّة، وللهداية مرتبة أخرى وهي الهداية يوم القيامة إلى طريق الجنة، فمن هُدي في هذه الدار إلى صراط الله المستقيم، هُدي إلى الصراط المستقيم الموصل إلى جنة الله وثوابه.
وقد جُمعت معاني الفاتحة في قوله ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾، فالعبادة تجمع أصلين: غاية الحُب بغاية الذل والخضوع، والاستعانة تجمع أصلين: الثقة بالله والاعتماد عليه، وتقديم العبادة على الاستعانة من باب تقديم الغايات على الوسائل، إذ إن العبادة غاية العباد التي خُلقوا لها، والاستعانة وسيلة إليها، وإن أفضل العبادة العمل على مرضاة الله تعالى في كل وقت بما هو يقتضي ذلك الوقت ووظيفته، فلم يكن عمل العبد على مُراد نفسه وما فيه من لذتها وراحتها في العبادات، بل على مراد ربِّه ولو كانت راحة نفسه ولذَّتها في سواه.
الفكرة من كتاب الإكسير: خلاصة أعمال القلوب من مدارج السالكين
يقول ابن القيِّم (رحمه الله): “إن حياة القلب ونعيمه وبهجته وسروره بالإيمان ومعرفة الله، ومحبَّتهِ، والإنابة إليه، والتوكُّلِ عليه”، فكيف لهذا القلب أن يحيا تلك الحياة دون أن يعرف خالقها؟ دون أن يعرف العبد ما يحيا به قلبه؟ دون أن يعرف كيف يتصل هذا القلب بربِّه ويتعبَّد إلى مولاه؟ فإن السائر إلى الله تعالى مفتقرٌ في سيره إلى ما يُصلح قلبَه ويُزَكيه، وقد ألَّف ابن القيِّم (رحمه الله) كتابه مدارج السالكين في الحديث عن هذا السَّير.
وقد قام الباحثون بتهذيب الكتاب في كتاب “تقريب مدارج السالكين”، ثم هذَّبوه لمزيد من التقريب في “الإكسير”، والذي يُعد خلاصة خلاصة مدارج السالكين، لتيسير الاستفادة منه لشريحة أوسع من القراء، فحرِّر قيود روحك وانطلق آمنًا مُطمئنًا أيها السالك في طريق الله!
مؤلف كتاب الإكسير: خلاصة أعمال القلوب من مدارج السالكين
مجموعة من الباحثين وهم: الدكتور صالح بن عبد العزيز المحيميد، والأستاذ تركي بن عبد الله التركي، والدكتور حازم بن عبد الرحمن البسام، والدكتور فهد بن محمد الخويطر، والأستاذ محمد عبد الله الحميد.