درجات التدبُّر
درجات التدبُّر
يكون التدبُّر على أربع درجات؛ الأولى: التفكُّر والنظر والاعتبار، والثانية: التأثر وخشوع القلب، الثالثة: الاستجابة والخضوع، والرابعة: استخراج الحِكم واستنباط الأحكام، فالدرجة الأولى هي التفكُّر والنظر والاعتبار تظهر في قوله تعالى: ﴿وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ﴾، وهي سمة أهل العلم، ومن أشرف الأعمال لأن الفكرة عمل القلب، وكلما غاص فكرُ العبد في شيء اشتد له طلبه، فتكون نتيجة الفكِر في القرآن إرداةً توجب العمل، ونقلًا من موت الفطنة إلى حياة اليقظة، وتدبُّر كلام الله يوجب معرفة صفاته وأفعاله.
والدرجة الثانية هي التأثر وخشوع القلب، ويعني: ذلَّته وسُكونه لله تعالى، فتسمو الروح وتبكي العين وتتأثَّر الجوارح، وتذلُّ النفس لخالقها وتخضع لربِّها، ويظهر هذا في قوله تعالى: ﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّه﴾، وأعظم طريق يجلب الخشوع للقلب: هو صفاء القلب وشدَّة تعظيمه لله (عز وجل).
أما الدرجة الثالثة، فهي الاستجابة والخضوع، هي غاية إنزال الكتاب، يقول تعالى: ﴿اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ﴾، فالتدبُّر ليس غاية بذاته، وإنما وسيلة لأمر عظيم يُراد وهو الاستجابة لأمر الله تعالى واتباع أوامره واجتناب نواهيه، وحينما يواجه المؤمن موقفًا فيتذكَّر آية، أو يذكِّر بها، فيقف عندها، ولا يتعدَّى حدودها، فيُحاسب نفسه على العمل بما في القرآن، ويقول “متى أكون من المتقين؟ متى أكون من الصادقين؟”.
والدرجة الرابعة، وهي استخراج الحِكم واستنباط الأحكام، وهي من لوازم العلم، وتدل على كمال القلب ونور البصيرة، وتثمر في القلب حقائق الإيمان، وشروط استنباط الأحكام: سلامة المقصد، ومعرفة مواطن الاستنباط، وإتقان العلوم المؤهلة للاستنباط، والاعتماد على الحُجَّة، ومراعاة مقاصد الشريعة وغاية القرآن.
الفكرة من كتاب تدبُّر القرآن
حين نتأمَّل في وقع القرآن الكريم على الصحابة (رضوان الله عليهم)، ومُراقبة أحوالهم، وكيف كانوا قبل القُرآن وكيف صاروا بعده، نجد أن للقُرآن سطوة عجيبة! ووقعًا مُختلفًا، فما الفارق بين القرآن الذي نزل فيهم والقرآن الذي بين أيدينا؟ لا فارق.. وإنما هو فارق التلقِّي والتعامل مع القرآن، يقول تعالى: ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾، فلم يكن تدبُّر القرآن عند سلفنا الصالح درسًا يُسمع أو كتابًا يُقرأ بقدر ما كان شعورًا ينبض في قلب القارئ وهو يتجه إلى القرآن!
في هذا الكتاب يُجدِّد لنا الكاتب معارف وأحوالًا تجعل القلب يظفر بحياة جديدة مع القُرآن، وسبيل تدبُّره، ليكون قُرَّة العين، وحياة القلب.
مؤلف كتاب تدبُّر القرآن
سلمان بن عمر السنيدي: كاتب ومفكر إسلامي، سعودي الجنسية، قدم العديد من محاضرات التزكية والتعليمية، وله عدد من المؤلفات المُتعلقة بالقرآن الكريم وتدبُّره، منها: “من أجل تدبر القرآن”، و”واقع تدبر القرآن في مدارس التحفيظ”، وكذلك مؤلفات أُخرى ككتاب “التنوُّع المشروع في صفة الصلاة”.