العدل والتكافل الاجتماعي
العدل والتكافل الاجتماعي
ولما كان الأمن المجتمعي هو عماد بقاء الإنسان،كان خطر فريضة العدل، فهي السبيل لتحقيق هذا الأمن، والعدل فريضة وليس مجرد حق يمكن لصاحبه التنازل عنه، فريضة على ولاة الأمر وهو معيار تعاقد بينهم وبين رعاياهم، وعلى العلماء والقادة والقضاة، وحتى بين الرجل وزوجته، والوالدين وأبنائهم، حتى كان أول المستظلِّين بظل الله يوم لا ظل إلا ظله إمام عادل.
والعدل يقوم بالتكافل الاجتماعي، وهو التضامن والإعالة والرعاية، بما يجبر النقص لدى المحتاج ممن لديه فائض، وذلك على قاعدة من التوازن والموازنة التي أرادها الله أن تكون بين الأفراد والطبقات بما يحفظ النسيج المجتمعي من الصراع والانهيار، ومعالم هذا التكافل هو الاكتفاء في الاختصاص بحد الكفاية، وما يفيض بعد ذلك فهو للصالح العام، ولا يقتصر الأمر على صورة الصدقات وإنما توظيف المال واستثماره في أوجه النفع والتكافل العام.
ومن المهم أن نعي أن هذا التكافل أو العدل لا يعني المساواة الحسابية وإنما التوازن بضمان حد الكفاية، أما التفاوت بين الأفراد والطبقات فيضبطه الحلال والحرام لمنع الاحتكار والظلم وكنز الأموال وتعطيلها، ونعلم أن المساواة المطلقة التي ينادي بها البعض غير واقعية، بل وتنافي السنن والقوانين الكونية، فكان لزامًا أن نميز بين المساواة بين الناس أمام القانون فلا يمتاز أحد على آخر بمال أو حسب أو عرق، وبين المساواة في الفرص المتاحة للجميع، فيكون التفاوت نتيجة للجهد والطاقة المبذولة وإمكانيات الفرد، وهو ما يختلف فيه البشر على نحو طبيعي، فتتفاوت حظوظهم من تلك الفرص المتساوية، لكن على نحو متوازن يحرر الناس من خوف الحاجة أو الأثرة.
الفكرة من كتاب مقوِّمات الأمن الاجتماعي في الإسلام
بين توُّحش الحضارة المادية بنظمها الرأسمالية أو الشمولية الشيوعية، التي أعطت الإنسان مطلق الحرية وجعلته سيدًا للكون يتصرَّف فيه كيفما شاء ويتملَّك دونما قيود، وبين زهد الدروشة والانصراف التام عن الدنيا، كان الإسلام منهجًا وسطًا لتحقيق الأمن الاجتماعي ليأمن الناس على معاشهم عن طريق تحقيق العدل المجتمعي، وفلسفة الإسلام في ذلك تأتي من نظرية “الاستخلاف”.
فالناس مستخلفون في ملك الله (عز وجل)، وكلاء عنه للتصرُّف في الموارد التي أوجدها لهم، وهذا لا ينزع حق التملُّك تمامًا وإنما يضع الضوابط عليه بما يحفظ اتزان المجتمع، يقول الإمام محمد عبده: “إن تكافل الأمة يعني أن مال كل واحد منكم هو مال أمتكم”، فنصيب الفقراء في أموال الأغنياء “حق”.
في هذا الكتاب يناقش الدكتور محمد عمارة مفهوم الأمن الاجتماعي وأهم مقوماته في الإسلام، وكيف نحقق العدل والتكافل الاجتماعي في المجتمع الإسلامي.
مؤلف كتاب مقوِّمات الأمن الاجتماعي في الإسلام
محمد عمارة (1931 – 2020): مفكر إسلامي مصري، ومؤلف ومحقِّق، كان عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، وعضو هيئة كبار علماء الأزهر، وعضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بمصر، حصل على الليسانس في اللغة العربية والعلوم الإسلامية من كلية دار العلوم، وحصل على الدكتوراه في الفلسفة الإسلامية، وعرف بمنهجه الوسطي الجامع.
ترك ميراثًا كبيرًا من الكتب يزيد على 140 كتابًا، منها تحقيق الأعمال الكاملة لعدد من أبرز الكتَّاب مثل الطهطاوي والأفغاني ومحمد عبده، كما ألَّف عن أعلام التجديد الإسلامي وعن التيارات الفكرية الإسلامية قديمًا وحديثًا، ومن مؤلفاته: “أزمة العقل العربي”، و”خطر العولمة على الهوية الثقافية”، و”الحضارات العالمية: تدافع أم صراع”، و”هل المسلمون أمة واحدة؟”.