العالم الإسلامي روحيًّا وماديًّا
العالم الإسلامي روحيًّا وماديًّا
انعكس هذا الواقع العالمي على العالم الإسلامي فغرقت شعوبه في الفقر والأمية والجهل، والعنف والبطالة التي حوَّلت الشباب إلى قنابل موقوتة، ولجوء الشباب إلى الدول المتقدمة، واستشرى الفساد وأصبح التفاوت بين طبقات المجتمع فاحشًا، إضافةً إلى الاحتياحات والغزو والاحتلال، في حين تُنفق المليارات لتكديس الأسلحة في المخازن وإنعاش الاقتصاد الغربي!
أما على الجانب الروحي فالوضع في العالم الإسلامي أفضل حالًا من كل ما سواه، وتعيش شعوبه نوعًا من الصحوة الدينية والمساجد عامرة ينصرفون إليها بينما ينصرف الناس إلى شهواتهم، ولا تزال الأسرة في المجتمع الإسلامي بخير كبير إذا قورنت بغيرها في العالم الغربي، ولا يزال في الناس جهد للخير والإحسان والتراحم، ولا تزال الفطرة الإيمانية بخير.
غير أننا بحاجة إلى إصلاح فكري لبعض ما ينغِّص الجانب الروحي مثل العنف الذي يهدِّد استقرار المجتمعات، والجمود والتقليد لدى شريحة كبيرة من طلاب العلم الديني، والدروشة وانخراط البعض في الصوفية غير الشرعية والبدع والخرافات، والسبيل لإعادة الوسطية والتوازن والاعتدال هو الانطلاق من آيات الله في كتابه وكونه، فيكون البناء على قاعدتي العقل والنقل “أي نقرأ النقل بالعقل، ونحكم العقل بالنقل”، فهذا هو سبيل اكتمال المقوِّم الروحي للأمن المجتمعي، وهو اجتماع مذاهب الأمة العقلانية المؤمنة التي كانت وسطًا بين مغالاة الوقوف عند ظواهر النصوص ومغالاة التصوُّف الباطني الذي فرغ الدين من حقيقته.
وقد شبَّه أبو حامد الغزالي الذي جمع بين التصوف الشرعي والفلسفة والوسطية الأشعرية، القرآن بنور الشمس، والعقل بالعين التي تبصر هذا النور، فأنَّى لأعمى العقل أن يبصر نور الهداية “فالعقل مع الشرع نور على نور”.
الفكرة من كتاب مقوِّمات الأمن الاجتماعي في الإسلام
بين توُّحش الحضارة المادية بنظمها الرأسمالية أو الشمولية الشيوعية، التي أعطت الإنسان مطلق الحرية وجعلته سيدًا للكون يتصرَّف فيه كيفما شاء ويتملَّك دونما قيود، وبين زهد الدروشة والانصراف التام عن الدنيا، كان الإسلام منهجًا وسطًا لتحقيق الأمن الاجتماعي ليأمن الناس على معاشهم عن طريق تحقيق العدل المجتمعي، وفلسفة الإسلام في ذلك تأتي من نظرية “الاستخلاف”.
فالناس مستخلفون في ملك الله (عز وجل)، وكلاء عنه للتصرُّف في الموارد التي أوجدها لهم، وهذا لا ينزع حق التملُّك تمامًا وإنما يضع الضوابط عليه بما يحفظ اتزان المجتمع، يقول الإمام محمد عبده: “إن تكافل الأمة يعني أن مال كل واحد منكم هو مال أمتكم”، فنصيب الفقراء في أموال الأغنياء “حق”.
في هذا الكتاب يناقش الدكتور محمد عمارة مفهوم الأمن الاجتماعي وأهم مقوماته في الإسلام، وكيف نحقق العدل والتكافل الاجتماعي في المجتمع الإسلامي.
مؤلف كتاب مقوِّمات الأمن الاجتماعي في الإسلام
محمد عمارة (1931 – 2020): مفكر إسلامي مصري، ومؤلف ومحقِّق، كان عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، وعضو هيئة كبار علماء الأزهر، وعضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بمصر، حصل على الليسانس في اللغة العربية والعلوم الإسلامية من كلية دار العلوم، وحصل على الدكتوراه في الفلسفة الإسلامية، وعرف بمنهجه الوسطي الجامع.
ترك ميراثًا كبيرًا من الكتب يزيد على 140 كتابًا، منها تحقيق الأعمال الكاملة لعدد من أبرز الكتَّاب مثل الطهطاوي والأفغاني ومحمد عبده، كما ألَّف عن أعلام التجديد الإسلامي وعن التيارات الفكرية الإسلامية قديمًا وحديثًا، ومن مؤلفاته: “أزمة العقل العربي”، و”خطر العولمة على الهوية الثقافية”، و”الحضارات العالمية: تدافع أم صراع”، و”هل المسلمون أمة واحدة؟”.