الإيمان والأمن
الإيمان والأمن
إن الأمن هو الطمأنينة التي تنفي الخوف والفزع عن الإنسان، أما الإيمان فهو الاطمئنان بالانتماء لله عز وجل ومعيته، وهو سبيل تحقيق الأمن للإنسان، ويقتضي الإيمان العمل بمنظور الاستخلاف، فيمكِّن الله (عز وجل) للمؤمنين فيأمنوا، أفرادًا وجماعات، وبفقد الإيمان يملأ الشك والخوف النفوس، ولما كان الإنسان مخلوقًا من روح ومادة، فقد قام أمنه على ركيزتين مهمتين ركيزة الأمن الروحي وبه يتصل بالله ويصعد إليه، وركيزة الأمن المادي ومن دونه يصعب تحقيق الأمن الروحي.
ونجد الغرب اليوم وقد اجتمع لديهم قوة فرعون مع وفرة قارون، وما كان إلا أن تحول واقعهم إلى عالم موحش انهارت فيه الحياة الروحية وتوحَّشت فيه المادية، ففقد الإنسان الغربي أمنه الروحي والمادي معًا، فقد اقتلعت العلمانية جذور المسيحية من أوروبا، من المؤسسات وحتى من نمط الحياة اليومي للناس، وحل القانون وسلطة الدولة مقام الباعث الديني، وتركت العلمانية الناس في خواء روحي ولم تجب عن أسئلتهم الفطرية الأساسية، فكل ما في الوجود ينظر إليه الآن بمنظار دنيوي لا يعترف إلا بالعقل والعلم فقط.
وانساق الناس إلى العدمية وتحقَّقت نبوءة نيتشه: “إفراز التطور الثقافي الغربي لأناس يفقدون نجمهم الذي فوقهم، ويحيون حياة تافهة، ذات بعد واحد، لا يعرف الواحد منهم شيئًا خارج نطاقه”، ذلك المنظار لم يشبع حاجة الناس بطبيعة الحال، فهم يفتقرون إلى اليقين، لذا راحوا يبحثون عما يملأ هذا الفراغ بداخلهم بعيدًا عن المسيحية بين روحانيات الديانات الآسيوية، وطقوس الهنود الحمر، وغيرها وحتى في الإسلام!
الفكرة من كتاب مقوِّمات الأمن الاجتماعي في الإسلام
بين توُّحش الحضارة المادية بنظمها الرأسمالية أو الشمولية الشيوعية، التي أعطت الإنسان مطلق الحرية وجعلته سيدًا للكون يتصرَّف فيه كيفما شاء ويتملَّك دونما قيود، وبين زهد الدروشة والانصراف التام عن الدنيا، كان الإسلام منهجًا وسطًا لتحقيق الأمن الاجتماعي ليأمن الناس على معاشهم عن طريق تحقيق العدل المجتمعي، وفلسفة الإسلام في ذلك تأتي من نظرية “الاستخلاف”.
فالناس مستخلفون في ملك الله (عز وجل)، وكلاء عنه للتصرُّف في الموارد التي أوجدها لهم، وهذا لا ينزع حق التملُّك تمامًا وإنما يضع الضوابط عليه بما يحفظ اتزان المجتمع، يقول الإمام محمد عبده: “إن تكافل الأمة يعني أن مال كل واحد منكم هو مال أمتكم”، فنصيب الفقراء في أموال الأغنياء “حق”.
في هذا الكتاب يناقش الدكتور محمد عمارة مفهوم الأمن الاجتماعي وأهم مقوماته في الإسلام، وكيف نحقق العدل والتكافل الاجتماعي في المجتمع الإسلامي.
مؤلف كتاب مقوِّمات الأمن الاجتماعي في الإسلام
محمد عمارة (1931 – 2020): مفكر إسلامي مصري، ومؤلف ومحقِّق، كان عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، وعضو هيئة كبار علماء الأزهر، وعضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بمصر، حصل على الليسانس في اللغة العربية والعلوم الإسلامية من كلية دار العلوم، وحصل على الدكتوراه في الفلسفة الإسلامية، وعرف بمنهجه الوسطي الجامع.
ترك ميراثًا كبيرًا من الكتب يزيد على 140 كتابًا، منها تحقيق الأعمال الكاملة لعدد من أبرز الكتَّاب مثل الطهطاوي والأفغاني ومحمد عبده، كما ألَّف عن أعلام التجديد الإسلامي وعن التيارات الفكرية الإسلامية قديمًا وحديثًا، ومن مؤلفاته: “أزمة العقل العربي”، و”خطر العولمة على الهوية الثقافية”، و”الحضارات العالمية: تدافع أم صراع”، و”هل المسلمون أمة واحدة؟”.