الاستدراج الجميل
الاستدراج الجميل
فُرِض الشهر الفضيل لتحقيق أحكام طالما توارث الإنسان نقلها، واعتاد الشيوخ في كل موسم ترديدها في البرامج والإذاعات بنفس ذات السرد النمطي، ليظنَّ المستمع أنهم لا يملكون غير تلك الأحاديث ليزاحموا بها الوقت ويسدُّوا فراغ الشاشات، على ذلك ربما نجد في تكرار هذا النمط الدعوي ما يعين أحدهم على البَدء في اكتشاف رمضان ومناقبه، ولربما كان هذا رمضانه الأول فعلًا، وهذه تذكِرة نافعة تهديه إلى الرشد.
إن رمضان من وجهة نظر الكاتب كالطعم في صنارة، يُلقَى للعبد فيسحبه مرة بعد مرة ليجرِّب لذة العبادة، فمتى ما ذاقها وعرف طعمها تشبَّث بها وأصبحت نهجًا في حياته، وتلك غاية جوهرية من غايات فرض رمضان، يكمن سرُّها في التعود والطمع فيما هو أعلى وأفضل، إنه يرغِّبك في الأجر المضاعف، ويوفِّر لك عروضًا وتسهيلات تجذبك لتجرِّب، فيتعلَّق قلبك وتستكين نفسك حيث وجدت ملجأها بعد عناء البحث، كأن يعوِّدك أداء التراويح، ثم الالتزام بمواقيت الصلاة، فالذهاب إلى المسجد عند كل فرض، خمس مرات في اليوم على مدى شهر كامل، حتى يصبح الجامع جزءًا منك، وإذا ما فقدته يومًا شعرت بالخواء وذهبت تبحث عنه، فكيف لمن عرف السبيل بقلبه واعتاد السير في هذا الطريق أن يتوقَّف بانقضاء الشهر؟
هذا الاستدراج الجميل هو لبُّ رمضان، فإذا ما انقاد له المرء ثم أتبعه بثبات ومداومة فقد صار ضمن مجموعة مختارة اختصَّها الله دون سائر البشر، نخبة أحسنت استغلال الفرصة، فغيَّرت حياتها ووهبتها لخالقها، تراهم زاهدين في متاع الدنيا، محافظين على عهود سرية مع الله، أحبُّوا لقاء المولى فأحبَّ لقاءهم وأيقظهم لصلاة الفجر، فعرفهم أهل السماء من ملائكة وأنبياء وصدِّيقين، ورُزِقوا من البركة ما لا يناله غيرهم، حتى إذا ما تغيَّبوا يومًا لم يسكن لهم بال ولم يهدأ لهم فكر حتى يعاودوا اللقاء في موعده التالي.
الفكرة من كتاب الذين لم يولدوا بعد
لما اعتاد الناس المرور على رمضان كغيره من الشهور، بل ولما صار موسمًا للتخفيضات في الأسواق، ومباراة تنافسية بين البرامج المتلفزة والمسلسلات، وحين انشغلت البطون بموائد الطعام والشراب، صار حتمًا على هذا الكتاب أن يرينا رمضان الذي يجب، ويذكِّرنا بأحكامه، ويستوضح معانيه الغائبة عن وجدان الفرد المسلم الذي فاته كل رمضان سابق، علَّه يستقبل رمضان القادم.
مؤلف كتاب الذين لم يولدوا بعد
أحمد خيري العمري: كاتب وطبيب أسنان عراقي، ولد عام 1970 في بغداد، واشتهر بكتاباته في مجال النهضة الإسلامية، تم تصنيفه -وفقًا لأحد مراكز الدراسات السويسرية- ضمن قائمة تحوي 100 من المؤثرين في صناعة الرأي عربيًّا، وذلك في عام 2017.
له من الإنتاج الثقافي الكثير منذ بدأ الكتابة والنشر، يتراوح بين ثلاثة عشر كتابًا وثلاث روايات وثلاثة برامج متلفزة، حيث احتلَّت الكتب النصيب الأكبر والانتشار الأوسع، ومنها:
البوصلة القرآنية.
عالم جديد ممكن.
المهمة غير المستحيلة.
الفردوس المستعار والفردوس المستعاد.