لعنة قناة السويس
لعنة قناة السويس
أرسل نابليون ماتيو ديليسبس بوصفه أكثر رجال الإمبراطورية إخلاصًا إلى مصر ليكون مبعوثًا للعلاقات التجارية من عام 1803 وحتى 1806، حيث كان وهو وزوجته يديران صالونًا يتردَّد عليه الدبلوماسيون والعسكريون، وعندما أصبح ملحقًا عامًّا لفرنسا طلبت منه حكومة الإمبراطورية تعيين رجل تستطيع فرنسا ونابليون الاعتماد عليه لمواجهة تأثير الإنجليز ونفوذهم؛ فأعطى على الفور اسم محمد علي، ومن ثم أيَّدت فرنسا ترشيح محمد علي الذي هزم الإنجليز في رشيد عام 1803، ولم يُنسَ هذا الصنيع لديليسبس.
وأصبح حامي حمى الفرنسيين في مصر، ولهذا استدعى المهندسين والعلماء الفرنسيين بصورة جماعية إلى جانبه، وأرسل تلاميذ مصريين في بعثات مدرسية إلى فرنسا، غير أن ديليسبس سرعان ما وافته المنية، وطلب محمد علي من ابنه فردينان البقاء في محيط قصر القاهرة، وقد كان معروفًا بطاقاته الخيالية وطموحه الكبير، المتمثل في إنشاء قناة السويس.
وكان مما ساعده بدايةً منح نابليون وسام جوقة الشرف الرفيع إلى الخديوي سعيد وتقديم المساندة المعنوية ومسارعة الفرنسيين لشراء أسهم الشركة، ولكن عارض مشروعه الإنجليز والعثمانيون وجزء كبير من المصريين، وعدد كبير من الفرنسيين في بدايته، وقد تسبَّب في ديون ثقيلة لمصر، مما اضطر الخديوي إلى بيع كل أسهم قناة السويس التي تمتلكها مصر لإنجلترا؛ التي وضعت يدها على البلاد فيما بعد.
وفرض الإنجليز والفرنسيون أنفسهم على الحكومة المصرية، وذهب تمثال الحرية إلى أمريكا، الذي كان يفترض وضعه على مدخل القناة الجنوبي، غير أنه ذهب نتيجةً ضعف موارد مصر إلى أمريكا، وأصبح رمزًا لها ولأرضها الجديدة وحلمها، غير أنه أصبح لعنة عليها، ورمزًا للهيمنة والظلم اللذين يسودانها بالإضافة إلى التفرقة العنصرية والبؤس المدقع والإجرام.
وفي يوليو 1956 خلال خطاب عبد الناصر لتأميم قناة السويس كرَّر ثلاث مرات اسم ديليسبس كإشارة يعطي بها رجاله أمر احتلال في اللحظة ذاتها مقر شركة السويس، ولا يمنع هذا حبه الشديد لفرنسا، واعترافه بالطابع المفيد للحملة الفرنسية.
الفكرة من كتاب الولع الفرنسي بمصر من الحلم إلى المشروع
يتحدث هذا الكتاب عن أسباب ولع الفرنسيين بمصر على مر التاريخ، وكونها محور اهتمامهم، حيث نبتت في أذهانهم كفكرة سحرتهم بجمالها، لا كمادة لمتحف، وملهمة لمشاريع عظيمة وفتوحات عاطفية وأدبية وفنية، لا فتوحات عسكرية فقط.
كما أن هذا الولع تحوَّل إلى مشروعات حقيقية أُرسِل على إثرها مستشرقون وعلماء وجواسيس لدراسة مصر وأحوالها ومعرفة مدى مناسبة الغزو لها، وتقصِّي أحوالها وأحوال أهلها.
مؤلف كتاب الولع الفرنسي بمصر من الحلم إلى المشروع
أحمد يوسف: كاتب مصري، ولد بمدينة الإسكندرية وأتم دراسته الثانوية بها ثم انتقل إلى القاهرة، ودرس بكلية الألسن، وعمل بها معيدًا ثم مدرسًا مساعدًا، وحصل عام 1992 على الدكتوراه من جامعة السوربون عن رسالة “مصر في الخيال الجمعي الفرنسي”.
له مجموعة من المؤلفات، أهمها: “كتوكتو المصري”، و”الأسرار السبعة لمكتبة الإسكندرية”، و”نابليون ومحمد”، وكلها نشرت في فرنسا.