لماذا قامت الثورة العلمية في أوروبا ولم تقم في العالم الإسلامي؟!
لماذا قامت الثورة العلمية في أوروبا ولم تقم في العالم الإسلامي؟!
فجأة ودون سابق إنذار حدث في أوروبا شيء استثنائي، وهو ظهور “الثورة العلمية” في القرن الرابع عشر، على الرغم من أن النسق الفكري والمعرفي قبل هذا الحدث كان كما هو لم يتغيَّر كثيرًا، فقد كان معتمدًا على التصوُّر الإغريقي، فلماذا إذن ظهرت الثورة العلمية في الغرب الأوروبي ولم تحدث في العالم الإسلامي، على الرغم من أن العلماء المسلمين قرأوا ذات الكتب التي قرأها الأوروبيون، بل كانوا هم القناة التي عبرت من خلالها العلوم الإغريقية إلى أوروبا، بل وكانت من ضمنها علوم إسلامية أصيلة من نتاج المسلمين أنفسهم؟!
هناك تفسيرات كثيرة تجيب عن هذا السؤال، منها الذي ذهب إلى أن الثورة العلمية في أوروبا كانت نتيجة القطيعة مع التراث الإغريقي، ومنها من أرجع السبب إلى الهجوم المغولي البربري على العالم الإسلامي، مما أدَّى إلى إنهاك الاقتصاد وضياع مصادر الثقافة، وغيرها من التفسيرات، لكن جميعها -في نظر جون- تفسيرات غير مقنعة إقناعًا بينًا، وسبب ضعف تلك التفسيرات راجع إلى أن مؤرخي العلم الأوروبي اعتمدوا على قدر ضئيل جدًّا من المصادر الإسلامية، كما لم يسعفهم في ذلك مؤرخو العلم الإسلامي.
فالأمر الجلي والواضح أن هناك “خطأ” ما حدث في العالم الإسلامي، لأن الإنتاج العلمي للعلماء المسلمين استمر حتى 1550م، ثم انقطع، وانتقل إلى أوروبا، فقد كان الفلاسفة والمتكلمون المسلمون علماء بوجه عام، فقد كانوا يشتغلون بجانب الفلسفة والدين بالعلوم الطبيعية كالطب والرياضيات والفلك، ويفسِّر جون ذلك بتوجُّه العلماء المسلمين نحو “التصوف الفلسفي” الذي له أثر بالغ في صرف عقولهم عن العلم المادي والبحث في العلوم الطبيعية، في الوقت الذي شرع فيه الأوروبيون إلى جعل العلم المادي والعلوم الطبيعية أساس بحثهم العقلي.
الفكرة من كتاب الله والمنطق في الإسلام.. خلافة العقل
يسلِّط جون والبريدج، من خلال كتابه هذا، الضوء على التراث الإسكولائي الإسلامي (التراث العقلي المدرسي في العصر الوسيط)، ليتبيَّن أن العقل كان له دور محوري ومركزي في الحياة الفكرية الإسلامية، ويرى أن هذا التراث جديرٌ بالتأمل والنظر، إذ إنه على مدى التاريخ الإسلامي تمَّت العناية به، بل ولا تزال المعاهد الدينية (كالأزهر الشريف في مصر، وقم في إيران، والنجف في العراق) إلى اليوم تولي هذا التراث الذي قام على التلمذة والتخصُّص وانطوى على آلاف من الأذكياء والنابهين العناية الكاملة والعكوف عليه.
كما يذهب جون إلى أن كلًّا من الأصوليين والحداثيين اتفقوا على معارضة هذا التراث الإسكولائي، مما ساعد على انهيار الحياة العقلية الإسلامية التي استمرت لقرون، وتم استبدالها أنماطًا من التفكير غاية في الضحالة والهوان، ورغم ذلك يرى أن هذا التراث الفكري الإسلامي الوسيط سيُبعث من جديد ليكون من الأعمدة التي يقوم عليها مستقبل الإسلام.
مؤلف كتاب الله والمنطق في الإسلام.. خلافة العقل
جون والبريدج John Walbridge: أستاذ لغات الشرق الأدنى وثقافاته في جامعة إنديانا، ألَّف تسعة كتب عن الإسلام والثقافة العربية، منها أربعة كتب في الفلسفة الإسلامية وحدها، تُرجم منها إلى العربية كتاب: “الله والمنطق في الإسلام.. خلافة العقل”.