الصندوق الأسود.. والممارسة السياسية
الصندوق الأسود.. والممارسة السياسية
يتصوَّر أحد أشهر علماء السياسة ديفيد إيستون أن السياسة داخل الدولة تُدار في إطار ما يُسمَّى بالنظام السياسي وهو مجموعة التفاعلات بين مطالب الجماهير وقرارات الحكومة التي تحدث في نطاق مؤثرات كثيرة من البيئة المُحيطة بالنظام في الداخل والخارج، وإذا كانت مطالب الجمهور تدخل إلى الجهاز السياسي ليحوِّلها في النهاية إلى قرارات فاعلة، يمكن أن تأخذ رُدودًا تقع بين الدعم والسخط والاحتجاج وصولًا إلى الثورة، فإن النموذج لم يصوِّر لنا ما يحدث داخل الجهاز السياسي، أي لم يُبيِّن الطريقة التي تُصنَع بها القرارات وتتفاعل من خلالها مؤسسات النظام السياسي، وهو ما جعلها أشبه بالصندوق الأسود.
إن رجل السياسة وهو يُفكِّر في عالم السياسة عليه أن يتسلَّح بالمعرفة الضرورية بهذا العالم، وبطبيعة النظام العالمي المُعاصر والقوى الكبرى فيه، ومؤشرات الاقتصاد الكلي، وثقافة المجتمع، وسيكولوجية الجماهير التي يُخاطبها، ويجب أن تكون حسباته مبنية على هذه المُتغيِّرات، فهو إذن يتحيَّن الفرصة لاتخاذ قراراته، وهي عملية تنطوي على مغامرة، غير معروفة نتيجتها بنسبة 100%، إلا أنه يتحرَّك على أساس أن الأخذ بالأسباب يجعل نسبة النجاح تفوق نسبة الفشل، كما فعل الرسول (صلى الله عليه وسلم) حينما خرج في بدر.
ولأن السياسة ليست لعبة المبادئ أو النوايا الحسنة، فإن الفاعل السياسي يتسلَّح بقدر ما يمكنه من قوة ليحقِّق أهدافه، فيحمل طاولته ما يستطيع أن تتحمَّل من أوزان الأهداف حتى لا تنكسر، وتصبح مهارة الفاعل لا أن يحمل طاولته أثقل الأوزان، ولكن أن يصمد بما تحمله من وزن حتى يصنع طاولة أكبر، أي حينما يحصد مزيدًا من القوة.
الفكرة من كتاب قواعد في الممارسة السياسية
إن هذا الكتاب -وبعكس الكثير من الكتب السياسية التي إما أن تمدح هذا الفن وتلك الممارسة، وتمدح المُشتغلين في المجال السياسي، وإما أن تذمُّه، وتذمُّ المُشتغلين فيه وتصفهم بأشنع الأوصاف- يقدِّم رؤية متوازنة حول قواعد ممارسة العمل السياسي، فهو ليس كتابًا عمليًّا يغوص بك في عالم المفاهيم والنظريات المُعقَّدة، وإنما كتاب يُرشدك إلى أسس فهم عالم السياسة في حركته من منطلق علمي مُبسَّط.
مؤلف كتاب قواعد في الممارسة السياسية
جاسم سلطان: طبيب ومؤسِّس مشروع النهضة: سلسلة أدوات القادة، من مواليد قطر 1965، ترك الطب ليتفرغ للإجابة عن سؤال كيف ننهض؟ فأخذ رحلة علمية بين العلوم الاجتماعية والإنسانية والإسلامية لاقتناعه بمحوريتها في أي مشروع للنهضة، فألَّف مجموعة من كتب المبادئ الأولية، وأعطى عددًا كبيرًا من الدورات لفهم السياسة والاقتصاد والجغرافيا والفلسفة.
من أبرز مؤلفاته: فلسفة التاريخ: الفكر الاستراتيجي في فهم التاريخ، وقوانين النهضة: القواعد الاستراتيجية في الصراع والتدافع الحضاري، والذاكرة التاريخية: نحو وعي استراتيجي بالتاريخ، وأنا والقرآن: محاولة للفهم، وخطواتك الأولى نحو فهم الاقتصاد، وجيوبولتيك: الجغرافيا والحلم العربي القادم: عندما تتحدَّث الجغرافيا.