اللحظات الأخيرة
اللحظات الأخيرة
تذهب الأسطورة العلمانية الشاملة إلى أن العالم ظهر بالصدفة من مادة أولية سائلة غير مشكَّلة، ومن خلال تفاعل كيميائي بسيط أنتج خلية واحدة تطوَّرت بالصدفة حسب قانون صارم، ثم نمت وتطوَّرت إلى أن أصبحت الإنسان الطبيعي/المادي، فيُرد إلى المطلق العلماني النهائي “الطبيعي/المادة”، فيحلُّ ما هو غير إنساني محل ما هو إنساني، وهذا ما يسمى لحظة الصفر العلمانية، والتي تضع تصوُّرًا للنهاية كما وضعت تصوُّرًا للبداية، فنهاية النموذج العلماني يفترض أن الإنسان سيكون متحكمًا تمامًا في واقعه متمركزًا تمامًا حول ذاته، فهو كالإله يتجاوز الخير والشر، ومن ثم يصل إلى نقطة نهاية التاريخ وقمة التقدم والفردوس الأرضي، وهذه اللحظة هي ذاتها التي يستوي الإنسان مع الأشياء، فاللغة المحايدة تنسى إنسانية الإنسان، وهذه الرؤية تبنَّاها فوكوياما.
وظهر ذلك التصوُّر في طرح الدولة القومية المركزية المطلقة عندما وحَّدت السوق، فعملية التنميط والترشيد في الاقتصاد مثلًا تظهر عندما هيمن رأس المال هيمنة كاملة على المجتمع، وعلى العلاقات الإنسانية، فتحل الوظيفة الاقتصادية مكان القلب والروح وكل العوامل المعنوية والإنسانية، وتم تكييف الإنسان على أساس الوظيفة، لا الوظيفة مع الإنسان.
أما طرح صامويل هنتنجتون فهو عكس أطروحة فوكوياما، فهنتنجتون يعتقد أن الصراع بين الحضارات سيتصاعد، فكل حضارة لها رؤية للكون تدور حول العلاقة بين الإنسان والإله، تؤسِّس على هذه الرؤية للكون منظومات معرفية وأخلاقية تحدِّد تراتب المسؤوليات والحقوق، ولكن برؤية حقيقة واقعية نرى أن التعددية التي طرحها هنتنجتون واهية زائفة، لأن العالم ينقسم إلى قسمين: الغرب من ناحية وبقية العالم من ناحية أخرى، فالصراع قائم بين منظومة قيمية غربية علمانية التي تدور في إطار المرجعية المادية من جهة، ومن جهة أخرى كل من يقام ذلك ولا يوافقها، وذلك لأن الإنسان ليس مجرد مادة.
وحتى يحقق الغرب أهدافه قرَّر اللجوء إلى الإيواء بدلًا من القمع والقسر، والاستفادة من التفكك لضرب التماسك، ومن آليات الإغواء وسائل الإعلام وبيع الأحلام الاستهلاكية الوردية، وتفكيك الأسرة، والدفاع عن الإباحية باعتبارها شكلًا من أشكال الإبداع، فاختفت المرجعية، وظهر عالم لا خصوصيات فيه ولا مركز.
الفكرة من كتاب الفلسفة المادية وتفكيك الإنسان
يقدم هذا الكتاب دراسة نقدية للفلسفة المادية التي تُشكِّل البنية الفكرية للعديد من الفلسفات الحديثة مثل الماركسية والبراجماتية والداروينية، فيُبيِّن مواطن قصورها في تفسير ظاهرة الإنسان، وذلك من خلال وضع الفروق الأساسية بين الظاهرة المادية والظاهرة الإنسانية، بالإضافة إلى توضيح أثر تلك الفلسفة في المجتمعات القائمة عليها، ولماذا أصحاب تلك الفلسفة تحديدًا يكنُّون نزعة عدائية تجاه الإنسان.
مؤلف كتاب الفلسفة المادية وتفكيك الإنسان
عبد الوهاب محمد المسيري: مفكر وعالم اجتماع مصري، وُلد في مدينة دمنهور عام 1938، التحق بقسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب جامعة الإسكندرية، وعُيِّن معيدًا فيها عند تخرجه، انتقل إلى الولايات المتحدة للحصول على الماجستير ثم على الدكتوراه، كما عمل بالتدريس في جامعة عين شمس وفي عدة جامعات عربية.
أبرز كتبه: موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية – رحلتي الفكرية – العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة، وغيرها.