الحرب على الإنسان
الحرب على الإنسان
إن عقل الإنسان عقل نشط يحوي أفكارًا كامنة فطرية، فاللغة مثلًا معجزة وهي ظاهرة لا يمكن تفسيرها في الإطار المادي، والفكر أيضًا لماذا يأخذ هذه الصورة بالذات؟ لماذا تختلف أفكار شخص عن أفكار آخر يعيش في الظروف نفسها؟ فالإنسان كائن متسع له حس خُلقي وديني وجمالي، ولا يمكن تفسيره على أساس مادي، لذا فعند رصد الإنسان بشكل موضوعي طبيعي مادي فإنه يتم استبعاد جوهر الإنسان، ومن أمثلة الهجوم على الطبيعة البشرية وحدة العلوم، حيث يتم دراسة الإنسان والطبيعة دون تمييز أو تفريق، فالعلوم التي تهتم بوقائع حالة الإنسان لا تختلف عن حالة الحيوان، فالإنسان في هذه العلوم، إنسانيًّا طبيعيًّا وظيفيًّا ذا بعد واحد، آليًّا يتحرَّك في إطار الدوافع والمثيرات، أما في إطار النظم التي تعترف بثنائية الإنسان، فمفهوم الإنسان معه يتم استرجاع القيم الإنسانية والأخلاقية كقيم أساسية في عمليات البحث العملي في مجال الطبيعة والإنسان.
ونرى في نظرية الحقوق الجديدة الكثير من الحركات التحرُّرية الجديدة التي تدعو إلى “المساواة” تختلف عن الحركات التحررية القديمة، ففي حقيقة الأمر هي تدعو إلى “التسوية” وليس “المساواة”، فالمساواة تعني أن يتعادل شيء ما وآخر في بعض الوجوه، أما التسوية فهي إحداث التساوي بين شيئين في كل الوجوه، فيستوي الإنسان بالحيوانات والجمادات في كل الوجوه تقريبًا.
وتصدر تلك الحركات التحررية باعتبار الإنسان جزءًا من الطبيعة لا يتميَّز عنها بشيء، فنجد جماعات تدافع عن الفقراء والسود والشواذ جنسيًّا والأشجار وحقوق الحيوانات والعراة والمخدرات، وعن كل ما يطرأ وما لا يطرأ، فمثلًا الشذوذ الجنسي هو هجوم على المعيارية البشرية، وعلى المرجعية الثابتة التي يمكن الوقوف عليها لإصدار الأحكام وتحديد ما هو إنساني وما هو ليس إنساني، والشذوذ محاولة لإلغاء ثنائية إنسانية أساسية وهي الذكر والأنثى، وأما حركة التمركز حول الأنثى فنجد فيها أن المرأة سابقًا كانت في إطار تعاقدي وكانت مركز الأسرة وعمودها الفقري، ولكن هذا المركز قد ضُرب، فدعوات التحرير لا تدعو إلى الحفاظ على إنسانية المرأة باعتبارها أمًّا وزوجة وابنة وعضوًا في الأسرة والمجتمع، وإنما يدعو إلى تفكيك المرأة لتصبح إنسانًا طبيعيًّا.
الفكرة من كتاب الفلسفة المادية وتفكيك الإنسان
يقدم هذا الكتاب دراسة نقدية للفلسفة المادية التي تُشكِّل البنية الفكرية للعديد من الفلسفات الحديثة مثل الماركسية والبراجماتية والداروينية، فيُبيِّن مواطن قصورها في تفسير ظاهرة الإنسان، وذلك من خلال وضع الفروق الأساسية بين الظاهرة المادية والظاهرة الإنسانية، بالإضافة إلى توضيح أثر تلك الفلسفة في المجتمعات القائمة عليها، ولماذا أصحاب تلك الفلسفة تحديدًا يكنُّون نزعة عدائية تجاه الإنسان.
مؤلف كتاب الفلسفة المادية وتفكيك الإنسان
عبد الوهاب محمد المسيري: مفكر وعالم اجتماع مصري، وُلد في مدينة دمنهور عام 1938، التحق بقسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب جامعة الإسكندرية، وعُيِّن معيدًا فيها عند تخرجه، انتقل إلى الولايات المتحدة للحصول على الماجستير ثم على الدكتوراه، كما عمل بالتدريس في جامعة عين شمس وفي عدة جامعات عربية.
أبرز كتبه: موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية – رحلتي الفكرية – العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة، وغيرها.