إشكالية الطبيعي والإنساني
إشكالية الطبيعي والإنساني
فبعد تعريف كلٍّ من الظاهرة الإنسانية والفلسفة المادية نلحظ الاختلافات بين الإنسان والمادة، فالإنسان غير محدود العناصر والمادة محدوة، والإنسان يصعب تحديد وحصر أسبابه، لكن المادة تنشأ عن علّة أو سبب يسهل تحديده، والإنسان حالة متفرِّدة، والمادة وحدة متكررة، فبمجرد وجود الأسباب تحقَّقت النتائج، الإنسان يتسم بحرية الإرادة، والمادة ليس لها إرادة ولا وعي ولا ذاكرة ولا شعور، فالظواهر الإنسانية باطنها غير ظاهرها، لكن الظواهر الطبيعية مظهرها ينم عن مخبرها، والظاهرة الإنسانية لها مُكوّن شخصي وثقافي وذاتي، أما المادة فلا مكوِّن شخصي ولا ثقافي ولا تراثي.
كما أن معدَّل التغير في الظواهر الإنسانية سريع ويُقاس بالمقياس التاريخي ولا يمكن تعميمها على كل المواقف الإنسانية وذلك لتغيُّر العناصر والمكونات، أما الظاهرة الطبيعية فمعدَّل تغيرها يكاد يكون معدومًا، فهي تتبع نمطًا واحدًا متكررًا كما يمكن تثبيتها وتعميمها، فقانون واحد عام يستطيع التعبير عن الظاهرة.
ولنا وقفة مع المرجعية التي تعود إليها كلٌّ من الظاهرتين، فالمرجعية عمومًا تعني الفكرة الجوهرية التي تُشكِّل أساس كل الأفكار في نموذج معين والركيزة النهائية الثابتة له، وللمرجعية نوعان: نهائية متجاوزة، ونهائية كامنة، فالمرجعية النهائية المتجاوزة هي نقطة خارج عالم الطبيعة متجاوزة له، ففي النظم التوحيدية هي الإله الواحد المنزَّه عن الطبيعة والتاريخ، لذلك فالإنسان هو خلق الله الذي نفخ فيه من روحه وكَرَّمه، فأصبح مركز الكون بعد أن حمل عبء الأمانة والاستخلاف.
فالإنسان يحوي بداخله مُطلقًا، يرفض الذوبان في الطبيعة، أما المرجعية النهائية الكامنة فهي كامنة في العالم، لأن العالم يحوي بداخله ما يكفي لتفسيره دون الحاجة إلى اللجوء لأي شيء خارج عن النظام الطبيعي، وهذا النوع هو مرجعية الفلسفة المادية، فالعالم الطبيعي والحقائق المادية هو المصدر الوحيد والأساسي، وينتهي هذا الأمر إلى إنكار وجود الماهيات والجوهر، بل والطبيعة البشرية نفسها، باعتبارها شكلًا من الثبات والميتافيزيقا.
الفكرة من كتاب الفلسفة المادية وتفكيك الإنسان
يقدم هذا الكتاب دراسة نقدية للفلسفة المادية التي تُشكِّل البنية الفكرية للعديد من الفلسفات الحديثة مثل الماركسية والبراجماتية والداروينية، فيُبيِّن مواطن قصورها في تفسير ظاهرة الإنسان، وذلك من خلال وضع الفروق الأساسية بين الظاهرة المادية والظاهرة الإنسانية، بالإضافة إلى توضيح أثر تلك الفلسفة في المجتمعات القائمة عليها، ولماذا أصحاب تلك الفلسفة تحديدًا يكنُّون نزعة عدائية تجاه الإنسان.
مؤلف كتاب الفلسفة المادية وتفكيك الإنسان
عبد الوهاب محمد المسيري: مفكر وعالم اجتماع مصري، وُلد في مدينة دمنهور عام 1938، التحق بقسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب جامعة الإسكندرية، وعُيِّن معيدًا فيها عند تخرجه، انتقل إلى الولايات المتحدة للحصول على الماجستير ثم على الدكتوراه، كما عمل بالتدريس في جامعة عين شمس وفي عدة جامعات عربية.
أبرز كتبه: موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية – رحلتي الفكرية – العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة، وغيرها.