ما الفلسفة المادية؟
ما الفلسفة المادية؟
في مقابل الإنسان نضع الطبيعة أو المادة، ففي الإطار الطبيعي أو المادي يتم تعريف الإنسان الطبيعي في إطار وظائفه البيولوجية وحسب قوانين حركة المادة، فهو مثل الذئاب والأفاعي وكل شيء بيولوجي مادي، والطبيعة تتسم بصفات أساسية يُشكِّل مجموعها أساس الفلسفة المادية التي تؤمن بوحدة الطبيعة وبالتالي تؤمن بقانونيتها، حيث إن كل سبب يؤدي إلى النتيجة نفسها في كل زمان ومكان.
كما أن العالم المادي يتسم بأنه لا يوجد غائية، ولا غيبيات، ولا أي تجاوز للنظام الطبيعي من أي نوع، فهو واجب الوجود بذاته، لذا فالفلسفة المادية ترفض الإنسان نفسه إن كان متجاوزًا للنظام الطبيعي، فالعقل مرتبة تأتي بعد المادة، والأخلاق كذلك لا تسبق المادة، فهي تفسَّر تفسيرًا ماديًّا، ولذلك فالشيء الوحيد الذي يجدر بالإنسان أن يسعى إليه هو الخيرات المادية التي تجود بها الحياة.
وقد وجد النموذج المادي قَبولًا لأنه نجح في تفسير الظواهر المادية، ولكنه لم ينجح عند تفسير الأشياء غير المادية، ورغم ذلك فالمادية لا تقول إنها تفسر جزءًا من الواقع، بل ترى أنها تفسر الواقع كله، وتعود جاذبية الفلسفات المادية إلى سببين على مستويين مختلفين، فعلى المستوى المعرفي يكون التفسير المادي للظواهر سهلًا، ويمكن الحصول على المعلومات بشكل سريع، ويمكن قياسها، والربط بين الظواهر، أما على المستوى النفسي فقد تحوَّل الإنسان إلى جزء مادي في تخلِّيه عن الهوية الفردية المستقلة، وعن المسؤولية الأخلاقية والاختيار الحر.
وتنقسم المادية تاريخيًّا إلى قسمين؛ القسم الأول: مادية قديمة تستند إلى العقلانية المادية، أي إن العالم يحوي بداخله ما يكفي لتفسيره دون الحاجة إلى وحي أو غيب، فالعقل مستقل قادر على إدراك ما نسميه الكل المادي الثابت المتجاوز، وقد لاقى هذا التعريف الكثير من الاعتراضات، وذلك لأنه وهم مادي، فالمادة أجزاء وليست كُلًّا، وهي متغيرة وليست ثابتة، والمادة لا تعرف التجاوز لذاتها، وكيف يمكن أن تكون خاضعة لسبب والمادة بلا هدف ولا غاية؟
فالعقلانية المادية في تصوُّرهم شكل من أشكال المرجعية المتجاوزة المادية، وهذا تناقض كامل، بل إن أي حديث عن تجاوز وثبات هو سقوط في الميتافيزيقا، على الرغم من المادية المعلنة، بل هو إشارة إلى الأصل الإلهي للكون. وهنا ظهرت المادية الجديدة، وهي القسم الثاني، وتبتعد عن أي تجاوز أو ثبات، وفيها يتم الخضوع الكامل للمادية الحقيقية، والخضوع يعني إلغاء كل الثنائيات والحدود والكليات، كما يعني إلغاء المركز، أي إلغاء فكرة الإله، فالعالم في حالة حركة دائمة والعقل غير قادر على الوصول إلى الواقع، وهذا ما يعني باللاعقلانية المادية، فالعقل مُحرَّر من الأخلاق والكليات والهدف والغاية، وهذا التحوُّل هو الانتقال من الحداثة إلى ما بعد الحداثة حيث لا مركز ثابت ينتهي إليه الإنسان.
الفكرة من كتاب الفلسفة المادية وتفكيك الإنسان
يقدم هذا الكتاب دراسة نقدية للفلسفة المادية التي تُشكِّل البنية الفكرية للعديد من الفلسفات الحديثة مثل الماركسية والبراجماتية والداروينية، فيُبيِّن مواطن قصورها في تفسير ظاهرة الإنسان، وذلك من خلال وضع الفروق الأساسية بين الظاهرة المادية والظاهرة الإنسانية، بالإضافة إلى توضيح أثر تلك الفلسفة في المجتمعات القائمة عليها، ولماذا أصحاب تلك الفلسفة تحديدًا يكنُّون نزعة عدائية تجاه الإنسان.
مؤلف كتاب الفلسفة المادية وتفكيك الإنسان
عبد الوهاب محمد المسيري: مفكر وعالم اجتماع مصري، وُلد في مدينة دمنهور عام 1938، التحق بقسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب جامعة الإسكندرية، وعُيِّن معيدًا فيها عند تخرجه، انتقل إلى الولايات المتحدة للحصول على الماجستير ثم على الدكتوراه، كما عمل بالتدريس في جامعة عين شمس وفي عدة جامعات عربية.
أبرز كتبه: موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية – رحلتي الفكرية – العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة، وغيرها.