النانو بين الحقيقة والخيال
النانو بين الحقيقة والخيال
تشترك التكنولوجيا على اختلاف مجالاتها في مجموعة المهارات والتقنيات التي تهدف إلى تحويل النظريات ونتائج البحوث العلمية إلى واقع يسُتخدم في حل المشكلات الواقعية أو جعل الحياة أسرع إيقاعًا وأكثر رفاهية، وإذا كانت كلمة “نانو” في اليونانية القديمة تعني القزم، فإنها تعني في الأوساط العلمية وحدة قياس متناهية الصغر تبلغ جزءًا من مليار جزء من الشيء المراد قياسه، وعلى ذلك تُعدُّ المواد النانوية هي تلك المجموعة الخاصة من المواد ذات المقاييس الداخلية لحبيباتها والتي تقع بين 1 و100 نانومتر.
وعملية تصغير المواد في حد ذاتها ليست غريبة على البشر، فالآلة الصناعية دأبت على إنتاج أشياء أصغر حجمًا وأعلى كفاءة وأرخص تكلفة، ولكن مع بدايات القرن العشرين بدأ الاتجاه إلى تخليق المواد النانوية وتعدَّدت المواد المستخدمة ما بين عضوية وغير عضوية أو طبيعية ومخلَّقة، من هنا ظهر علم النانو الذي يهتم بدراسة وتوصيف المواد البالغة الصغر ودراسة خواصها الطبيعية والكيميائية والظواهر الجديدة الناتجة عن تصغيرها لهذه الدرجة، الأمر الذي قد يؤدي مستقبلًا إلى تخليق مواد جديدة لا تأبه كثيرًا لثوابت الكيمياء والفيزياء التقليدية.
وعلى ذلك أصبحت تكنولوجيا النانو تعمل على تغيير خواص المواد وتعديل صفاتها، عن طريق إعادة الهيكلة لبنائها الذرِّي وترتيب ذرَّاتها من جديد على الشكل الذي يتأتَّى معه الحصول على خواص جديدة، يمكن أن تكون حلقة الوصل بين الجذور التي تمثلَّت في العلوم الأساسية كالمواد والبيولوجي والرياضيات والكيمياء والفيزياء، وبين التطبيقات المستخدمة في المجالات البشرية المختلفة كالبتروكيماويات وتكرير البترول والهندسة الوراثية والطب والدواء وتكنولوجيا الأمن والتسليح، مما يؤهلها لتتربَّع على عرش تكنولوجيا التصنيع في القرن الحادي والعشرين بعد أن ظلت ردحًا من الزمان ضربًا من ضروب الخيال أو مجرد حلم داعب أذهان العلماء.
الفكرة من كتاب تكنولوجيا النانو.. من أجل غدٍ أفضل
عام 1959 وأمام الجمعية الفيزيائية الأمريكية تساءل الفيزيائي الأمريكي الشهير “ريتشارد فاينمان” (ماذا سيمكن للعلماء فعله إذا استطاعوا التحكُّم في تحريك الذرَّة الواحدة، وإعادة ترتيبها كما يريدون؟).
لقد كان التطوُّر التقني الهائل هو السمة الفريدة في القرن العشرين الذي ودَّعناه قبل عقدين من الزمان، ومع بدايات القرن الحالي برز إلى الأضواء مصطلح تكنولوجيا النانو، والتي نظر إليها البعض على أنها المصباح السحري لحل جميع مشكلات البشر، لذا تأتي أهمية هذا الكتاب لسرد القصة من البداية، حيث يُطلعك على تاريخ الثورة النانوية وأهم مزاياها، وكذا الأخطار المحتملة المترتِّبة عليها، ويتطرَّق إلى تطبيقاتها الواسعة في بعض مجالات الحياة كالطب والغذاء والبيئة.
مؤلف كتاب تكنولوجيا النانو.. من أجل غدٍ أفضل
محمد شريف الإسكندراني: ولد بالقاهرة عام 1956، تخرج في كلية الهندسة – جامعة الأزهر عام 1981، حصل على الماجستير عام 1988 والدكتوراه عام 1992 في المواد المتقدِّمة وتكنولوجياتها من جامعة طوكيو باليابان، ومنذ عام 2007 وهو يعمل باحثًا ومستشارًا علميًّا بمكتب المدير العام لمعهد الكويت للأبحاث العلمي، كما عمل أستاذًا مساعدًا ثم أستاذًا لتكنولوجيا النانو والمواد المتقدمة لمعهد بحوث المواد بجامعة طوكيو حتى عام 2002، وحصل على جائزة الدولة المصرية في العلوم الهندسية عامي 1994، و2003 والميدالية الذهبية من جمعية الفلزات اليابانية عام 1997، كما حصل على أربع براءات اختراع في مواضيع متعلقة بإنتاج مواد النانو وتطبيقاتها التكنولوجية.
له العديد من الأبحاث في المجلات العلمية المتخصِّصة في علوم المواد وتكنولوجيا النانو بالولايات المتحدة الأمريكية وإنجلترا وهولندا، كما أنه مؤلف كتاب “تكنولوجيا النانو من أجل غد أفضل”.