الثورات العلمية والبشر
الثورات العلمية والبشر
إذا استعرضنا التاريخ البشري عبر العصور المختلفة، نجد أن عملية الإبداع والابتكار هي المحدِّد الأكثر فاعلية في التقدُّم الإنساني، وقد تصبح ضرورة في بعض العصور بسبب الحاجة إلى التأقلم مع الظروف الراهنة أو مسايرة التغيرات المجتمعية والتغلُّب على الأضرار المحدقة، وليس أدل على ذلك من الحقبة البشرية التي نعيشها اليوم ونحن على مشارف العام 2021، حيث يتسابق الجميع نحو إيجاد لقاح لفيروس كورونا الذي أصاب الحياة البشرية بالشلل، وحينها تصبح عملية الابتكار نوعًا من الركائز الأساسية لضمان استمرار الوجود البشري.
وإذا استخدمنا مصطلح الثورة للدلالة على التحوُّلات الجذرية في حياة البشر، نتيجة حصيلة متراكمة من الخبرات والإبداعات العلمية، نجد أن العالم مرَّ بعدة ثورات بدايةً من الزراعة مرورًا بمحرِّك الاحتراق الداخلي والثورة الصناعية وانتهاءً بثورة الحاسبات والمعلومات وما ارتبط بها من تقنيات الذكاء الاصطناعي، أما اليوم فيمكن القول إن العالم على مشارف ثورة جديدة تتمثَّل في ما بات يُعرف بتكنولوجيا النانو أو المواد النانوية، وهي تتلخَّص في إعادة هيكلة البنية الذرية للعديد من العناصر والجزيئات والحصول على مواد غاية في الصغر، لها العديد من الخصائص المختلفة عن الحبيبات الكبيرة.
ونتيجة لهذا التزاوج العلمي بين تكنولوجيا المعلومات والمواد النانوية، انتشرت تطبيقات تكنولوجيا النانو في العديد من المجالات الصناعية والطبية والبيئية، مما يعني المزيد من الكفاءة وتخصيص الموارد وفتح آفاق جديدة من الصناعات الدقيقة وتكنولوجيا تخليق المواد وعلاج بعض الأمراض المستعصية، بالإضافة إلى الآمال الكبيرة المعقودة على استخدام المواد النانوية في مجالات التكنولوجيا الحيوية والجينوم البشري وتقليل الاعتماد على مصادر الوقود التقليدية الملوِّثة للبيئة، مما ينعكس إيجابًا بلا شك على الأوضاع الاقتصادية وزيادة الرفاهية المجتمعية.
الفكرة من كتاب تكنولوجيا النانو.. من أجل غدٍ أفضل
عام 1959 وأمام الجمعية الفيزيائية الأمريكية تساءل الفيزيائي الأمريكي الشهير “ريتشارد فاينمان” (ماذا سيمكن للعلماء فعله إذا استطاعوا التحكُّم في تحريك الذرَّة الواحدة، وإعادة ترتيبها كما يريدون؟).
لقد كان التطوُّر التقني الهائل هو السمة الفريدة في القرن العشرين الذي ودَّعناه قبل عقدين من الزمان، ومع بدايات القرن الحالي برز إلى الأضواء مصطلح تكنولوجيا النانو، والتي نظر إليها البعض على أنها المصباح السحري لحل جميع مشكلات البشر، لذا تأتي أهمية هذا الكتاب لسرد القصة من البداية، حيث يُطلعك على تاريخ الثورة النانوية وأهم مزاياها، وكذا الأخطار المحتملة المترتِّبة عليها، ويتطرَّق إلى تطبيقاتها الواسعة في بعض مجالات الحياة كالطب والغذاء والبيئة.
مؤلف كتاب تكنولوجيا النانو.. من أجل غدٍ أفضل
محمد شريف الإسكندراني: ولد بالقاهرة عام 1956، تخرج في كلية الهندسة – جامعة الأزهر عام 1981، حصل على الماجستير عام 1988 والدكتوراه عام 1992 في المواد المتقدِّمة وتكنولوجياتها من جامعة طوكيو باليابان، ومنذ عام 2007 وهو يعمل باحثًا ومستشارًا علميًّا بمكتب المدير العام لمعهد الكويت للأبحاث العلمي، كما عمل أستاذًا مساعدًا ثم أستاذًا لتكنولوجيا النانو والمواد المتقدمة لمعهد بحوث المواد بجامعة طوكيو حتى عام 2002، وحصل على جائزة الدولة المصرية في العلوم الهندسية عامي 1994، و2003 والميدالية الذهبية من جمعية الفلزات اليابانية عام 1997، كما حصل على أربع براءات اختراع في مواضيع متعلقة بإنتاج مواد النانو وتطبيقاتها التكنولوجية.
له العديد من الأبحاث في المجلات العلمية المتخصِّصة في علوم المواد وتكنولوجيا النانو بالولايات المتحدة الأمريكية وإنجلترا وهولندا، كما أنه مؤلف كتاب “تكنولوجيا النانو من أجل غد أفضل”.