حدود الطبيعة البشرية في الاقتصاد السلوكي
حدود الطبيعة البشرية في الاقتصاد السلوكي
في محاولة لتفسير الانحرافات عن “السلوك الرشيد”، نجد أن هناك ثلاثة حدود للطبيعة البشرية، الحد الأول “العقلانية المحدودة” حيث تعمل عقول الأفراد وفق نظامين مختلفين لتحليل القرارات واتخاذها، الأول (نظام تلقائي) تكون فيه قرارات الفرد تلقائية، وروتينية، ولا تتطلَّب بذل مجهود، أو تحليلًا للوقائع عند اتخاذها، فهو نظام سريع غير واعٍ، والثاني (نظام عقلاني) يتحكَّم في القرارات التي يحتاج إليها الفرد، مع بذل مزيد من الجهد لاتخاذها بشكلٍ واعٍ.
وتحدث حالات الخروج عن السلوك العقلاني الكامل إما بسبب التحيُّز في الأحكام أو المعتقدات أو في عملية الاختيار، ومن تلك التحيُّزات التي تجعل الناس ذوي عقلانية محدودة، (الثقة الزائدة) حيث يقع الناس في خطأ ثقتهم الزائدة بقدراتهم وتوقعاتهم، أيضًا (النفور من الخسارة) إذ يميل جميع الناس إلى كره الخسارة أكثر من حبهم للمكسب، ففقدان شيء يجعلك تعيسًا أكثر من سعادتك بالحصول على نفس الشيء؛ و(التحيُّز للوضع الراهن) يعني ميل الناس إلى تقدير المكاسب السريعة أو الحاضرة، أكثر من تقديرهم للمكاسب المستقبلية أو اللاحقة، و(كثرة الخيارات) إذ يتعرَّض الأفراد لعدد كبير من الخيارات المطروحة لمنتج أو برنامج معين، مما يؤدِّي إلى صعوبة التوصل إلى الاختيار الأمثل.
الحد الثاني “قوة الإرادة المحدودة”؛ فغالبًا ما يتخذ البشر قرارات يعرفون أنها ستتعارض مع مصالحهم على المدى الطويل، فالمدخنون يفضلون عدم التدخين، لكن كثيرين منهم يستمر في التدخين، والحد الثالث هو “الأنانية المحدودة”، إذ يهتم الناس بأن تتم معاملتهم بإنصاف كما يريدون أن يعاملوا الآخرين بإنصاف، فإذا كان الآخرون يتعاملون معهم بإنصاف، على عكس ما يدعيه الاقتصاد التقليدي بأن الإنسان يتمتَّع بأنانية غير محدودة.
الفكرة من كتاب الاقتصاد السلوكي وتطبيقاته عالميا
في السنوات القليلة الماضية أصبح الاقتصاد السلوكي توجهًا عالميًّا على مستوى الأفراد والمؤسسات، حيث يتم التركيز على البُعد السلوكي للأفراد عند تحديد اختياراتهم، حتى يتسنَّى التدخُّل بطريق غير مباشر لتوجيه السلوك البشري نحو الخيارات الأفضل، ويتم ذلك من خلال التحكُّم في بيئة الاختيار ذاتها عبر مفهوم “هندسة الاختيار”، أي تصميم طرق مختلفة يمكن من خلالها عرض الخيارات الأكثر رشادة على المستهلكين، وتأثير هذا العرض في عملية صنع القرار لدى المستهلك، فإلزام المطاعم بإظهار السعرات الحرارية لكل وجبة معروضة للمشترين يُعدُّ أحد تطبيقات الاقتصاد السلوكي.
مؤلف كتاب الاقتصاد السلوكي وتطبيقاته عالميا
الدكتور أحمد حسن النجار: خبير مالي واقتصادي، عمل مستشارًا لوزير المالية المصري سابقًا، يمتلك خبرة عشرين عامًا في مجال الاستشارات المالية والاقتصادية، وعمليات إعادة الهيكلة المالية، وعمل لفترة مستشارًا اقتصاديًّا لعدة وزراء مالية في مصر، تخصص في قضايا المالية العامة وتمويل الموازنة وتطوير سوق رأس المال الإسلامي، له عدة مشاركات متنوعة في مؤتمرات اقتصادية ومالية ومؤتمرات التمويل الإسلامي حول العالم، وله كثير من البحوث والكتب المنشورة.