ما بين الاقتصاد التقليدي والاقتصاد السلوكي
ما بين الاقتصاد التقليدي والاقتصاد السلوكي
يقوم الاقتصاد السلوكي على فرضية مفادها التشكيك في “الرشد الاقتصادي” التي تقوم عليها النظرية الاقتصادية التقليدية، حيث يرى أنصار نظرية الاقتصاد السلوكي أنه قد يتخذ الناس الكثير من القرارات التي لا تحقِّق لهم أقصى إشباع، مستشهدين بالتدخين والوجبات السريعة التي تؤدي إلى السمنة، فتلك قرارات يتخذها الناس ولا تكون رشيدة، كونها لا تعظِّم منفعتهم، ولسببٍ ما يتبيَّن لنا أن الناس غير قادرين على اتخاذ قراراتٍ أفضل منها، ولذلك يسعى الاقتصاد السلوكي إلى تعيين وتوضيح الطريقة التي يتخذ بها الأفراد قراراتهم.
بينما يفترض الاقتصاد التقليدي أن الإنسان يتمتَّع بالرشد الاقتصادي، ويتخذ قرارات عقلانية في جميع الأوقات بعيدًا عن أي تأثيرات أو دوافع غير المصلحة الشخصية، فلا تحرِّكه الدوافع العاطفية، أو الدينية أو الأخلاقية أو الاجتماعية أو البيئية، بل تحركه مصالحه الشخصية فقط، فهو ذلك الإنسان المادي البحت الذي لا يتورَّع عن سحق الجميع من أجل مصالحه، دون أن يُلقي بالًا لأي اعتبارات أخرى، كما أن الناس وفق الاقتصاد التقليدي يتعلَّمون من الأخطاء التي يقعون فيها، وبناءً على ذلك تصُبُّ اختياراتهم في صالح تعظيم منفعتهم، فالنظرية الاقتصادية التقليدية لا تهتم بعملية صنع القرار لافتراضها أن الناس جميعًا يقومون بمطابقة تفضيلاتهم بالمعلومات المتاحة عن السعر والجودة، وبناءً على ذلك سيختارون أفضل خيار متاح لهم بما يعظم منفعتهم.
أما نظرية الاقتصاد السلوكي، على العكس من ذلك، فهي تهتم بعملية صنع القرار حيث تصف كيف يتخذ الأفراد قراراتهم في الواقع، في مقابل الكيفية التي يجب عليهم اتخاذها، فالبشر كثيرًا ما يتعرضون لارتكاب أخطاء كثيرة في قراراتهم، كما أن هذه القرارات الخاطئة غالبًا ما تكون متوقعة، حيث يتم إغراء الناس عن طريق وسائل الإعلان، كما أنهم يتأثرون بعواطفهم.
الفكرة من كتاب الاقتصاد السلوكي وتطبيقاته عالميا
في السنوات القليلة الماضية أصبح الاقتصاد السلوكي توجهًا عالميًّا على مستوى الأفراد والمؤسسات، حيث يتم التركيز على البُعد السلوكي للأفراد عند تحديد اختياراتهم، حتى يتسنَّى التدخُّل بطريق غير مباشر لتوجيه السلوك البشري نحو الخيارات الأفضل، ويتم ذلك من خلال التحكُّم في بيئة الاختيار ذاتها عبر مفهوم “هندسة الاختيار”، أي تصميم طرق مختلفة يمكن من خلالها عرض الخيارات الأكثر رشادة على المستهلكين، وتأثير هذا العرض في عملية صنع القرار لدى المستهلك، فإلزام المطاعم بإظهار السعرات الحرارية لكل وجبة معروضة للمشترين يُعدُّ أحد تطبيقات الاقتصاد السلوكي.
مؤلف كتاب الاقتصاد السلوكي وتطبيقاته عالميا
الدكتور أحمد حسن النجار: خبير مالي واقتصادي، عمل مستشارًا لوزير المالية المصري سابقًا، يمتلك خبرة عشرين عامًا في مجال الاستشارات المالية والاقتصادية، وعمليات إعادة الهيكلة المالية، وعمل لفترة مستشارًا اقتصاديًّا لعدة وزراء مالية في مصر، تخصص في قضايا المالية العامة وتمويل الموازنة وتطوير سوق رأس المال الإسلامي، له عدة مشاركات متنوعة في مؤتمرات اقتصادية ومالية ومؤتمرات التمويل الإسلامي حول العالم، وله كثير من البحوث والكتب المنشورة.