رفع الملام عن الأئمة الأعلام
رفع الملام عن الأئمة الأعلام
قد يتساءل البعض عن سبب اختلاف العلماء ما دام مصدر التشريع واحدًا! بل إن بعضهم يشنِّع على الفقهاء حين يرى في المسألة أكثر من قول، ولا يدري هذا السائل أن الاختلاف هو الطبيعة الغالبة على الفقه، ولذا قال بعض العلماء: لم يشتم رائحة الفقه من لم يعرف الخلاف، فهو سنة مضطردة من عصر الصحابة (رضي الله عنهم) إلى اليوم، فكم اختلف الأصحاب والنبي (ﷺ) بين أظهرهم، فلم يعنِّف أيًّا منهم فكان بذلك تقريرًا سكوتيًّا لسنة الخلاف.
وأما أسباب اختلاف الفقهاء فأكثر من أن تحصى، فمنها وصول الدليل إلى بعضهم دون البعض الآخر، وقد رأينا أن مدرسة أهل الحديث امتازت بكثرة الأدلة من الأحاديث والآثار نظرًا إلى أن مكة والمدينة كانتا موطن معظم الصحابة بخلاف مدرسة الرأي في العراق، وقد يصل الدليل إلى أحدهما فيرى صحته بينما يرى الآخر ضعفه وعدم ثبوته، بل قد يصل الدليل إلى عالمين ويريان صحته لكن أحدهما يرى العمل به وسواه لا يرى ذلك لمعارضته لدليل أقوى، فضلًا عن الخلاف في فهم الأدلة ودلالات الألفاظ وتحقيق المناط واستنباط الأحكام، وعلى ذلك فلا عجب أن تحتمل المسألة الفقهية الواحدة أكثر من قول لاختلاف مناهج الاجتهاد والنظر.
ولكنْ ثمة أمر مهم يجب التنبيه له وهو أنه ليس كل خلاف في الفقه يعد شرعًا، فهناك بعض الآراء الشاذة التي لا ينظر إليها، فضلًا عن أن تقوى لمجابهة غيرها من الأقوال المعتبرة شرعًا، كما أن الرأي والفتوى إنما هي من اختصاص العلماء لا من عامة الناس ممن لا يعرفون في العلم يمينًا من شمال، فإذا بان لك هذا علمت أن الخلاف بين الفقهاء لا يصح أن يكون سببًا للفرقة والنزاع أو التجريح في الأئمة الأعلام، فكل مجتهد منهم مثاب، فإن أصاب الحق فله أجران وإن أخطأ فله أجر واحد، فهو دائر إذن بين أجر وأجرين لا بين طاعة وذنب.
الفكرة من كتاب المدخل إلى دراسة المدارس والمذاهب الفقهية
“من يرد الله به خيرًا يفقِّهه في الدين”.. علم الفقه من أشرف العلوم وأنبل الفنون، لتعلُّقه بتعامل الفرد مع ربه إيمانًا وعبادة، ومع مجتمعه تعاملًا ماديًّا وأُسريًّا، ولا غنى لأحد عن واحد منهما، ولكن الدارس لهذا العلم عادةً ما تعتريه بعض الأسئلة مثل كيف بدأ هذا العلم؟ وما المقصود بالمذاهب الفقهية وكيف نشأت؟ ولماذا يختلف الفقهاء فيما بينهم؟ فلأجل تلك الأسئلة وغيرها كان هذا الكتاب، فهلمَّ بنا لنتعرَّف على القصة من أولها ونبحث عن إجابات أسئلتك.
مؤلف كتاب المدخل إلى دراسة المدارس والمذاهب الفقهية
عمر بن سليمان بن عبد الله الأشقر: أحد علماء الشريعة، ولد عام 1940م بقرية برقة التابعة لمحافظة نابلس بفلسطين، وهو من بيت علم، إذ إن أخاه هو الدكتور محمد سليمان الأشقر أحد علماء أصول الفقه، حصل على الدرجة الجامعية الأولى من كلية الشريعة جامعة الإمام بالسعودية، كما حصل على درجتي الماجستير والدكتوراه من جامعة الأزهر الشريف بمصر.
عمل مدرسًا في كلية الشريعة بالكويت وأستاذًا بكلية الشريعة بالأردن ثم عميدًا لها، توفي (رحمه الله) في العاصمة الأردنية عمان يوم الجمعة 10 أغسطس 2012 الموافق 22 رمضان في العشر الأواخر لعام 1433 هجرية بعد معاناة مع المرض عن عمر يناهز الـ 72 عامًا.
له العديد من المؤلفات منها: “مقاصد المكلفين فيما يتعبَّد به رب العالمين”، و”المرأة بين دعاة الإسلام وأدعياء التقدم”، و”سلسلة العقيدة في ضوء الكتاب والسنة”.