اندثار الديانات وتطور الآلهة
اندثار الديانات وتطور الآلهة
تعدُّ الآلهة، في نظر الكاتب، تجسُّدات للمشاعر والتخيُّلات القابعة في اللاشعور، وتستشري عقائدها بين الأفراد بفعل التلقين والعدوى النفسية، وعلى ذلك فالإنسان إنما يشكِّل آلهته وفق احتياجاته النفسية وآماله وأحلامه وغرائزه وهنا يتوقَّف مصير الآلهة على درجة تقمُّصها للمزاج النفسي للجماعات، ولكنها رغم ذلك لا تتصف بالخلود فهي تجري عليها عوامل الزمن من التحول والاندثار، والعقائد إذا ما جمدت ولم تواكب التغير النفسي للمجتمعات تلاشت آلهتها بفعل الزمن، ومن هنا تحصل الانشقاقات والإلحادات التي عادةً ما يصاحبها تغيُّرات ثورية وملحمية واسعة النطاق.
غير أن المعتقدات الجديدة لا تكون خالصة نقيَّة، بل كثيرًا ما تشتمل على شوائب من عقائد سابقة، ذلك أن معظم الديانات الحديثة إنما قامت على أنقاض معتقدات قديمة تحلَّلت عبر زمن طويل، وهي لا تزول حتى تترك رواسب باقية تستعين بها تلك العقيدة الجديدة في الظهور وربما تدفن في اللاشعور وتُستدعى وقت الأزمات، من هنا أمكننا إطلاق وصف الأديان التركيبية على بعض الأديان الكبرى اليوم، حيث تحوي مظاهر وثنية قديمة من عقائد قديمة اندمجت مع شعائرها الجديدة.
وقد زعم بعضهم استبدال الحقائق العلمية كبديل عن فكرة الإله لإشباع الحاجة البشرية للروح الدينية، ولكن دلَّ الاستقراء النفسي أن العلم لا يصلح بديلًا عن المعتقد، فالعلم إنَّما يقول بنسبية الأشياء ولا يتعامل مع غيبيات، كما أن آلته العقل التي لا تتوقَّف عن النقد والفحص مما يوجب الاضطراب وعدم الاستقرار، وهذا مما لا يشفي حاجة المتعطشين إلى الإيمان لا سيما أن قوانين العقل والعلم لا تسري على المعتقدات التي ربما تجنح كثيرًا إلى الأوهام لإشباع النزعات الداخلية للأفراد.
الفكرة من كتاب حياة الحقائق
يعتري البشر العديد من الاحتياجات المادية والنفسية، ويبدو أن الاحتياج النفسي إلى فكرة وجود الإله أضحى من الإلحاح ما دفع الإنسان إلى محاولته الارتكان إلى أوهام دينية ليقبع مختارًا في حظيرة العبودية..
يتحدث غوستاف لوبون عن المقدسات الثلاثة للشعوب والمتمثلة في الروح الدينية والأخلاق والفلسفة المعرفية، ويتناول كلًّا منها بالشرح والمثال، باحثًا عن مصادرها ونتائجها التي وجَّهت البشر عبر التاريخ، فلو نظرت إلى تعاقب نتائج تلك الحقائق الثلاث لم تجد الحاضر إلا وليد الماضي.
مؤلف كتاب حياة الحقائق
غوستاف لوبون Gustave Le Bon: طبيب ومؤرخ فرنسي، وواحدٌ من أشهر المؤرخين الأجانب الذين اهتموا بدراسة الحضارات الشرقية والعربية والإسلامية، ولد في مقاطعة نوجيه لوروترو، بفرنسا عام ١٨٤١م، ودرس الطب، وقام بجولة في أوروبا وآسيا وشمال أفريقيا، وأنتج مجموعة من الأبحاث المؤثرة عن سلوك الجماعة، والثقافة الشعبية، ووسائل التأثير في الجموع، ما جعل من أبحاثه مرجعًا أساسيًّا في علم النفس، تُوفِّي في ولاية مارنيه لاكوكيه، بفرنسا 1931م.
من أهم كتبه ومؤلفاته:
حضارة العرب.
الآراء والمعتقدات
سيكولوجية الجماهير.
السنن النفسية لتطور الأمم.