المُراقبة ما بين كهف أفلاطون ونظام بنتام
المُراقبة ما بين كهف أفلاطون ونظام بنتام
لقد سيطرت سلطة المراقبة بفضل الشفافية، يشبه الأمر كهف أفلاطون، حيث بُنِيَ ذلك الكهف على شكل مسرح يجلس فيه السجناء ويُجبَرون على النظر إلى الجدار المنخفض أمامهم فقط، ويُعرض على هذا ظلال وفنون التماثيل الحجرية والخشبية وكأنها ظلال للعالم الحقيقي، فيصبحون أسرى لهذا العالم وهذه المشاهد المعروضة عليهم.
وعلى هذا يرى أفلاطون أن الحُرَّ هو الذي يرتقي بنفسه ويفكر فيما يكمن وراء المظاهر الخارجية، ويعرف الحقيقة ويميز العرض من الجوهر، ويتفق في أن مجتمع الشفافية هو مجتمع شفاف وفارغ ولتجنُّب هذا الفراغ بشكل خادع يتم صب المزيد من المعلومات والصور داخله، وتظهر فيه المعلومات على نحوٍ عارٍ تمتلكه السلطة وحدها.
أفضت تلك الشفافية المطلقة إلى ما نشهده الآن حيث نظام مراقبة رقمي، ومجتمع تحكم، حيث تكمن قوته وفاعليته في كونه نظامًا لا يتطلَّب أي بصريات منظورية، ويشبه الكاتب الأمر بنظام الفيلسوف الإنجليزي بنثام لسجن البانوبتيكون، وهو ظاهرة من ظواهر المجتمع التأديبي حيث تخضع فيه كل المؤسسات للعزل والرقابة من قبل شخص واحد، كما يتم عزل السجناء بعضهم عن بعض ومراقبتهم دون أن يكونوا قادرين على معرفة ما إذا كانوا مراقبين أم لا، ويشبه ذلك بما يحدث الآن مسميًا إياه بـ”البانوبتيكون الرقمي”، أي التكنولوجيا الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي التي تستغل الاستخدام المكثَّف للحرية والتخلِّي عن الخصوصية، وعلى ذلك اعتبر الكاتب أن الشفافية هي أيديولوجيا مثل الأيديولوجيات كلها، وتشكل خطورة إذا تم تعميمها.
الفكرة من كتاب مجتمع الشفافية
“أعيش فقط على ما لا يعرفه الآخرون عني”، هكذا يقول الأديب بيتر هاندكه، ، ثم نرى المفكر نيتشه يدعو إلى ضرورة امتلاك الإنسان لإرادة الجهل، حتى ولو بهدف اتخاذ القرار الأفضل، ولكن أي جهلٍ يقصده هنا؟ وما علاقة كل هذا بالشفافية التي أصبحت عنوان عصرنا الحالي حيث ينكشف هذا المقدار الضخم من المعلومات أمام وسائل التواصل والتكنولوجيا الحديثة، وأصبح البشر فيه كالزجاج الشفَّاف يتجرَّدون شيئًا فشيئًا من صفاتهم المُثلى! هذا ما يوضحه الكاتب في هذا الكتاب.
مؤلف كتاب مجتمع الشفافية
بيونغ تشول هان Byung-Chul Han: فيلسوف وكاتب، وُلِد في كوريا الجنوبية، يعمل أستاذًا في جامعة برلين للآداب، تُظهر أعماله تأثره الكبير بمدرسة فرانكفورت، وهي مدرسة للنظرية الاجتماعية والفلسفية النقدية في مدينة فرانكفورت الألمانية.
ومن أهم أعماله:
إنقاذ الجمال.
ما هي السلطة؟
طوبولوجيا العنف.