ما بين المسافة المسرحية ووسائل التواصل
ما بين المسافة المسرحية ووسائل التواصل
في القرن الثامن عشر حيث يطغى العالم المسرحي في تلك الفترة، تعوق المسافة المسرحية الاتصال المباشر بين الأرواح والأجسام، وتعمل بدورها على تحرير الروح من أعبائها، بينما في الحداثة يتم التخلي عن تلك المسافات المسرحية بشكل متزايد لصالح الشفافية، كما لم يصبح الغرض منها تشخيص الأعمال والمشاعر وتفسيرها بقدر ما أصبح الغرض هو السوق، ونرى في وسائل التواصل الاجتماعي ومحركات البحث يتم إنشاء مساحات من القرب المطلق، والقضاء على أي مجال خارجي يمكن أن يلتقي المرء فيه نفسه وحياته وخصوصيته فحسب، أما في السياسة فقد أصبح الوعي العام متدنيًا لدرجة أن السياسيين لم يعودوا يُقاسون بأفعالهم، بل بأشخاصهم ومسائلهم الخاصة.
وإذا نظرنا إلى أكثر ما يُميز الإنسان وهو التفكير، فسنرى أنه ليس شفافًا بصورة ذاتية، إذ يتصف بالتميز ويلجأ إلى الانفتاح والرؤية الشمولية، أما الشفافية القهرية فلا رائحة لها ولا طعم، والاستمتاع اللحظي المتعلق بها لا يملك القدرة على إدراك الجمال، ويجب الملاحظة هنا أن التسارع الذي يعد أزمة في عصرنا لا يتم حله حتى بالتباطؤ.
يغدو الجسم فاحشًا عندما يتم اختزاله في مادته اللحمية، أي يصيبه العري، وكذلك الصفة الاجتماعية عندما يتم تجريدها من الوجهة والمعنى، حيث أصبح المعنى الإنساني قائمًا على فرط النشاط وفرط الإنتاج والتسريع المبالغ فيه حتى أصبح يتجاوز غرضه وهدفه الأسمى، وعملية التسريع تلك لا تفضي إلا إلى التجريد من كل معنى، وهي كذلك نوع خاص من الشفافية المطلقة.
الفكرة من كتاب مجتمع الشفافية
“أعيش فقط على ما لا يعرفه الآخرون عني”، هكذا يقول الأديب بيتر هاندكه، ، ثم نرى المفكر نيتشه يدعو إلى ضرورة امتلاك الإنسان لإرادة الجهل، حتى ولو بهدف اتخاذ القرار الأفضل، ولكن أي جهلٍ يقصده هنا؟ وما علاقة كل هذا بالشفافية التي أصبحت عنوان عصرنا الحالي حيث ينكشف هذا المقدار الضخم من المعلومات أمام وسائل التواصل والتكنولوجيا الحديثة، وأصبح البشر فيه كالزجاج الشفَّاف يتجرَّدون شيئًا فشيئًا من صفاتهم المُثلى! هذا ما يوضحه الكاتب في هذا الكتاب.
مؤلف كتاب مجتمع الشفافية
بيونغ تشول هان Byung-Chul Han: فيلسوف وكاتب، وُلِد في كوريا الجنوبية، يعمل أستاذًا في جامعة برلين للآداب، تُظهر أعماله تأثره الكبير بمدرسة فرانكفورت، وهي مدرسة للنظرية الاجتماعية والفلسفية النقدية في مدينة فرانكفورت الألمانية.
ومن أهم أعماله:
إنقاذ الجمال.
ما هي السلطة؟
طوبولوجيا العنف.