القيم السائدة في المجتمعات الراكدة
القيم السائدة في المجتمعات الراكدة
تتسم المجتمعات الراكدة بالضعف العام والوهن الشديد في كل الجوانب، وتظل المشكلات والأزمات تدور في حلقاتٍ مُفرغة لا تنتهي، فهناك ضعف في التعليم؛ معلمين ومتعلمين، وضعف في التصنيع والعمال وضعف في الزراعة، وإذا ما تمَّت مقارنتهم بنظرائهم في الغرب ستجد الفارق أضعافًا مضاعفة لصالح الغرب، كذلك هناك ضعف في الإيمان عامةً بما حدث من تغييرات متعاقبة في النفوس والقلوب.
إن المجتمع الراكد لا يمثل الوقت بالنسبة إليه عاملًا مهمًّا، ومن الممكن أن يكون سبب ذلك أو نتيجته هو اشتغال الأغلبية بحرفٍ يدوية لا يُهتم فيها بالوقت كالزراعة والرعي، وهذا عكس ما يحثُّ عليه الإسلام، فقد أقسم الله بالزمن كثيرًا في القرآن دليلًا على عظمته وأهميته.
لا بدَّ أن ينتج الفقر في الفكر والخيال نوعًا من النمطية، والمقصود بها هي تلك الدوافع التي تكوِّن صورة دائمة عن الناس والأشياء ولا يمكن تغيير ذلك التصور إلا بعد سنين. كذلك ما يُعرف بالشكلية، أي الاهتمام المبالغ فيه بالمظهر مثل أشكال العمران وزخرفة المساجد وتفضيل النصوص على المعاني، المظهر مهم لكن الجوهر أهم والمضمون مقدم على ظاهره الذي يعبر عنه.
وينتشر ضعف عام في المبادرة الفردية وتنقص الاندفاعية إلى أعمال الخير والمنفعة العامة والتطوع وتلك الأعمال تكون دليلًا على الصحة النفسية والروحية للمجتمع، لكن أصبح الناس يبحثون عن الأعمال التي لا مخاطرة فيها بحالة أشبه بالسكون.
إن أهم ما ينشأ في المجتمعات الراكدة هو مفهوم مقاومة التغيير، حيث يرتبط الناس بالمألوفات الغريبة ويعتادونها إلى أن تصبح جزءًا منهم، فإذا حاولت تغييرها قاوموك إما لمصلحةٍ وإما للألفة ذاتها، فكم من أفكار وعادات تتصادم مع المنهج الإسلامي تصادمًا واضحًا ويحتفظ بها الناس كجزء من ثقافتهم، أو من قبيل هذا ما وجدنا عليه آباءنا.
فالعقليات في المجتمعات الساكنة ساكنة أيضًا، بها مبادئ وأفكار وتصورات ذهنية منها الصالح ومنها الطالح، منطقي أن يصدر عن المبادئ الفاسدة أفعال فاسدة ذميمة، لكن الغريب أن تلك المبادئ الفاسدة تقف بين الأفكار الصالحة وبين مدلولها السلوكي ويصبح بينهما مساحات شاسعة فلا يلتقيان.
الفكرة من كتاب نحو فهم أعمق للواقع الإسلامي
يُعرَّف المجتمع على أنه ليس مجرد مكان يتعايش فيه الناس، وإنما هو علاقات تجمعهم وروابط تشملهم وتوجُّهات مشتركة وهموم يهتمُّون بها وانتصارات ترقى بهم كلهم وهزائم يعانون مرارتها معًا أيضًا..
يحدثنا الكاتب عن المجتمع الإسلامي والطبقات التي كوَّنته عبر العصور، والتحديات التي واجهته حتى أضعفته ومزَّقت أواصر اتحاده وجعلت أبناء الأمة متفرقين فُرادى حتى وقعوا في قبضة المستعمرين، موضحًا سمات ذلك التخلف الذي حلَّ بالحضارة الإسلامية نفسيًّا وماديًّا، وكيف أثر ذلك في نواحي الحياة المختلفة.
مؤلف كتاب نحو فهم أعمق للواقع الإسلامي
عبد الكريم بكار: مؤلف سوري ولد عام ١٩٥١، حصل على درجة الماچستير من كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر ثم درجة الدكتوراه من الكلية نفسها، تدرَّج أكاديميًّا كمحاضر في الجامعات السعودية، له العديد من المؤلفات الإسلامية في مجالات التربية والفكر والتأصيل، أشهرها: “من أجل شباب جديد”، و”العولمة” و”العيش في الزمان الصعب” و”تجديد الوعي”.