الطريق إلى الاستعمار
الطريق إلى الاستعمار
قبل بداية فترات الاستعمار، غرق العثمانيون في الضعف الداخلي والتفكُّك الإداري، وبدأ استنزاف طاقات المسلمين البشرية واستهلاك الثروات المادية مما شكَّل تمهيدًا لقدوم المحتلين.
كان من ضمن مظاهر التفكك تلك الفجوة التي حدثت بين الطبقة الحاكمة والطبقة العالمة، ولمَّا تمَّ هذا الفصل كانت الطبقة الحاكمة تهتم فقط بالسياسات والأموال وحل مشكلات الناس، كذلك صار العلماء بمعزل بعلمهم وفقههم وابتعدوا كثيرًا عن الناس وحدث فصلٌ جزئي للإسلام عن الدولة، فما كان نتيجة ذلك الانقسام إلا خسارة الجميع بالثورات الداخلية أو بالانكسارات أمام الغزاة الذين كانوا قد بدأوا قبل توافدهم بقرنين من الزمان أو أكثر الاهتمام بالعلم والطبيعة والبحث العلمي والتصنيع، وعندما وصلوا إلى الدول الإسلامية لم يعانوا في دخولها إلا قليلًا.
كانت القوى المتمكنة في العالم الإسلامي، ولا تزال، لا تدرك حجم التخلف الحاصل لأنهم منصرفون عن ذلك بسيول من الشعارات وتمجيد الذات والعيش في زمان الأجداد، ومن يُصدِّر أناشيد الفخر تلك الصحافة ووسائل الإعلام أو حاشية الحكام، وبداية حل المشكلة يبدأ بإدراكها ومعرفة أسبابها وجذورها، وليس بالإغراق في أحاديث الفخر وانتصارات الماضي.
عندما وصل المستعمر إلى المسلمين الضعفاء وجد الطريق لينهب ويسرق ويدمر اقتصادات ويضيق على صناعات، بل صاروا يحولون الدولة المستعمَرة بأكملها إلى مصدر للمواد الخام التي يحتاجون إليها في بلادهم، ومن المعروف أن هؤلاء المستعمرين لم يأتوا برسالة تحركهم أو ثقافة تدفعهم إلا أنهم أدركوا أن السيطرة الكاملة لن تتحقق بمجرد احتلال الأرض، فما هي إلا سنوات ستمضي باحتلال العقول والعبث بالثقافات وفرض قيم وأفكار غربية لتستكمل مسيرتهم بعد رحيلهم، فقد صاروا يُجبرون الناس على لغتهم، وأنشأوا المدارس على الطريقة الغربية وغيَّروا العادات والتقاليد من ملابس إلى أطعمة إلى تعاملات، وغير ذلك، إذ كانوا يدَّعون أن كل ذلك التغيير من أجل أن يتقدَّم العرب مثل الغرب فلم يحدث تقدم كما زعموا، بل تم تدمير الشخصية الإسلامية وأصبح المسلمون أكثر ركودًا من ذي قبل.
الفكرة من كتاب نحو فهم أعمق للواقع الإسلامي
يُعرَّف المجتمع على أنه ليس مجرد مكان يتعايش فيه الناس، وإنما هو علاقات تجمعهم وروابط تشملهم وتوجُّهات مشتركة وهموم يهتمُّون بها وانتصارات ترقى بهم كلهم وهزائم يعانون مرارتها معًا أيضًا..
يحدثنا الكاتب عن المجتمع الإسلامي والطبقات التي كوَّنته عبر العصور، والتحديات التي واجهته حتى أضعفته ومزَّقت أواصر اتحاده وجعلت أبناء الأمة متفرقين فُرادى حتى وقعوا في قبضة المستعمرين، موضحًا سمات ذلك التخلف الذي حلَّ بالحضارة الإسلامية نفسيًّا وماديًّا، وكيف أثر ذلك في نواحي الحياة المختلفة.
مؤلف كتاب نحو فهم أعمق للواقع الإسلامي
عبد الكريم بكار: مؤلف سوري ولد عام ١٩٥١، حصل على درجة الماچستير من كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر ثم درجة الدكتوراه من الكلية نفسها، تدرَّج أكاديميًّا كمحاضر في الجامعات السعودية، له العديد من المؤلفات الإسلامية في مجالات التربية والفكر والتأصيل، أشهرها: “من أجل شباب جديد”، و”العولمة” و”العيش في الزمان الصعب” و”تجديد الوعي”.