تلوُّث العقل
تلوُّث العقل
في وقت ما ينطلق رنين الهاتف الذكي، ولسبب ما ينهض صاحبه على الفور بعد قطعه لجلسة سمر مع أحد رفاقه ليردَّ على الهاتف، وبعدها بقليل يقول لمحدثه: “ماذا قلت؟”، هكذا يتحدَّث دون إصغاء، بينما يتفقَّد بريده الإلكتروني دون انتظار لأي رسالة مهمة، وينتقل منه إلى موقع من مواقع التواصل الاجتماعي دون هدف، منتقلًا إلى محرِّك البحث “جوجل”، كل ذلك في دقيقة، هكذا أصبحت الحياة على مستوى عالٍ من التوتُّر والانتقال السريع وتداخل الأحداث دون تريُّث أو إعطاء كل حدث حظه الوافر من الوقت والانتباه والشعور.
ونظن بذلك النمط من الحياة أننا ننجز المهام بسرعة خارقة، ولكننا في حقيقة الأمر نفشل في إنجاز أي شيء، بل نصبح غارقين بالكثير من الأمور باستمرار، ولا نجد الوقت الكافي لفعل أي شيء، بل وننسى كيفية إنجاز المهام البسيطة، باختصار نفقد القدرة على أن نعير أي شخص أو شيء الانتباه اللازم، يقول البروفيسور “كاري كوبر” أستاذ علم النفس في جامعة لانكستر: “نحن حاليًّا خدم للتكنولوجيا”.
وربما يكون لدى أحدنا أهدافه الحياتية والعلمية والشخصية، وعلى الرغم من ذلك لا يجذب انتباهه إلا رنين الهاتف أو صوت إشعار الرسالة الجديدة، يبدو أنه لا يوجد وقت على الإطلاق لفعل الأمور المهمة!
وبهذا النمط المتواصل من تشتُّت الانتباه نفقد القدرة على الاختلاء بالذات والقراءة والذاكرة والنوم والإبداع والإصغاء والتعلُّم، حيث يُفقِدنا التشتُّت الدائم القدرة على تكوين روابط عقلية قوية والتي تتكوَّن بفعل القراءة العميقة، ومنذ أصبحنا نُعَرِّف أنفسنا بما نقوله ونفعله عبر مواقع التواصل تحول تفكيرنا الدائم في كيفية إظهار ما نريد ترسيخه لدى الغير، لذلك تحوَّلت أحداث الحياة إلى لحظات خاطفة وليست مواقف كاملة.
وبالتصفُّح الدائم تمتلئ الذاكرة العاملة أو قصيرة المدى بقدر هائل من المعلومات غير المهمة وتكرار ذلك على الدوام يؤدي إلى توقُّف عمل الذاكرة نتيجة الفشل في نقل المعلومات من الذاكرة العاملة إلى الذاكرة طويلة الأمد، مما يؤدي إلى التفكير السطحي، ونتيجة ذلك الانشغال الدائم اتسعت المسافة في العلاقات، فأصبحت الرسائل الإلكترونية بديل المكالمات الهاتفية، وعادةً ما نلجأ إلى نشر رسالة موحَّدة إلى مجموعة من الأشخاص.
والمشتِّتات الأربعة التي يصعب تجاهلها هي الهواتف الذكية ومواقع التواصل والبريد الإلكتروني والإنترنت، والسبب في الهروب إلى تلك المشتتات هو الشعور بالضجر أو الرغبة في التواصل أو السعي للحصول على القَبول الاجتماعي أو الرغبة في التعلم أو المتعة أو الحاجة إلى الشعور بالأهمية المفقودة أو العادة أو الإدمان.
الفكرة من كتاب مصيدة التشتت: كيف تركز في فوضى العالم الرقمي
متى كانت آخر مرة عكفت فيها على إنجاز عمل ما بكامل تركيزك دون تشتُّت بسبب هاتفك الذكي أو بريدك الإلكتروني أو شبكات التواصل الاجتماعي؟ هذا الكتاب هو جرس الإنذار، تبيِّن فيه الكاتبة خطورة ما تفعله التكنولوجيا بأدمغتنا وذاكرتنا ووقتنا وعلاقاتنا الاجتماعية الحقيقية، وتقدِّم طريقة الإقلاع عن إدمان الوسائل الرقمية وكيفية إنجاز المهام على نحو لائق وتحسين جودة العمل والعلاقات وتحقيق الأهداف.
مؤلف كتاب مصيدة التشتت: كيف تركز في فوضى العالم الرقمي
فرانسيس بووث Frances Booth: رائدة من رواد الأعمال البارعين في مجال التكنولوجيا، نشأت في مدينة نيوكاسل بشمال إنجلترا، درست العلوم الاجتماعية والسياسية في جامعة كامبريدج، وحصلت على درجة الماجستير في الصحافة من جامعة شيفيلد، شغلت منصب صحفية لمدة ثماني سنوات بجريدتي الديلي تليجراف والجارديان، ولها العديد من المحاضرات عن التشتُّت الرقمي، وتدير موقع here are some words.