الوحدة والتناسق في سلوكيات المخلوقات
الوحدة والتناسق في سلوكيات المخلوقات
تشير ظاهرة الوحدة والتناسق والتماثل في سلوكيات المخلوقات إلى نظرية صناعة الحياة، فأبرز ما تظهره هذه السلوكيات المتماثلة ما يمكن تسميته الولاء أو الانتساب، ومعناه دوران بعض الخلق في فلك خلق آخر أقوى منه وأكثر اصطفاءً بحيث يكون الأقوى مركزًا للدوران ومحورًا، ومثال ذلك: الكون، والذرة، والبشر؛ فالكون به مجموعات من العناقيد النجمية تجتمع بدورها حول عنقود منها، يكون أقوى من البقية، ويعتبر مركزًا لها، ويتكاثف توزيع العناقيد قرب هذا العنقود القوي، وتقل الكثافة بالابتعاد عنه، والذرة مخلوقة على المثال نفسه، تتكوَّن من نواة قوية موجبة الشحنة، تأسر إلكترونًا يدور في فلكها، وتنتج به عنصرًا، كلما زاد أسر النواة لإلكترون أصبحنا أمام عنصر جديد مختلف الخواص.
وسلوك البشر مثل هذه النواة، فبعضهم نواة مركزية، وبعضهم إلكترون، ولذا أُذن لبعض دعاة الإسلام طلب المكان المحوري ليحوزوا ولاء الآخرين ويقربوهم من خلاله إلى الله، هذا الولاء يتكرَّر، وظاهرة (القيادة) هي الأصل، إلا أن النفس البشرية تحب التمرد والإنكار، فكان واجبًا لمن يحوزون ولاء الناس أن يكون هناك آخر بينهم ينسق، ويمنع التفريق، والتغالب.
وترتبط هذه الظاهرة بأخرى يمكن أن نسميها (الحركة الحيوية) أو (القدر)، فالحياة ليست ساكنة ولا تتحرَّك بعشوائية، بل تتحرَّك بهدف، والقدر لا يحكم المفاصل الكبرى فقط، بل السكنات والهنات وما خفي وظهر، وعلى المسلم الإيمان بذلك، كما أن عليه الإيمان بالنواميس الكونية التي يسيرها القدر، والتي تجري عليها الأيام، فالخائن لا بدَّ أن يُجازى، والله لا يهدي كيد الخائنين، والهداية تجلب الهداية.
الفكرة من كتاب صناعة الحياة
تعني نظرية صناعة الحياة أننا ننظر إلى إدارة الحياة على أنها (صنعة)، لها فنونها الخاصة، وتنميها الخبرة المكتسبة إذا تراكمت، وتستلزم مهارة، ونحن نريد تسيير الحياة في تيار واحد، ولجعل هذا التيار يصب في الوادي الإسلامي فعلينا معرفة خصائص البشر الفطرية وأسرار علاقاتهم، وهي في خلاصتها تنبيه على ضرورة إمساك الدعاة بمصادر القوة العلمية والمحركات العاطفية، والأمور المالية، فيخبرنا الكاتب عن مضمون هذه النظرية، وكيف نعد هؤلاء الصناع، وكيف نختارهم، وندربهم لرفع راية دينهم، مسترشدًا بالقوانين الثابتة في الكون وبأعمال السابقين.
ويخبرنا أنه من الممكن تقسيم الحياة لخططٍ متدرجة، فيكون الخط الأمامي لما يلهب مشاعر الناس، ويحركهم، يليه خط امتداد خلفي من صناع الحياة، ثم خط تركيز خلفي ثانٍ تمثله التربية الأسرية، وخط تطوير ثالث يمثله البناء التخصصي لصناع حياة جدد، فنكون بهذا علقنا الظاهرة الدعوية بالظواهر الكونية القدرية، كالولاء والقدر.
مؤلف كتاب صناعة الحياة
محمد أحمد الراشد: كاتب وداعية إسلامي، ولد في الثامن من يوليو، عام ألفٍ وتسعمائة وثمانية وثلاثين، درس في كلية الحقوق، وتتلمذ على يد الكثير من علماء بغداد، وهاجر بعد حرب الخليج الثانية إلى أوروبا، ويعتبر من أهم منظري ومؤلفي الحركة الإسلامية، فهو مؤلف العديد من الكتب التي تحاول أن تجمع روح الحركة مع العلم الإسلامي ونوع من الروحانيات وتأكيد الأخلاق الإسلامية، وكتبه خليط مميز من الأدب والفقه.
ومن مؤلفاته:
فقه الحياة.
آفاق الجمال.
سلطان الإيمان.
صراطنا المستقيم.