عبير المحبة
عبير المحبة
من يقرأ ويتصوَّر المجتمع الجاهلي يدرك مقدار القساوة والجفاوة التي كان عليها أهل ذلك الزمان، وما انتشر بينهم من وأدٍ للبنات وظلم للعبيد وقتال حول النوق والإبل خير برهان على ذلك، فخلال ثلاثة وعشرين عامًا يتحوَّل ذلك المجتمع تحولًا عجيبًا باهرًا يقف التاريخ أمامه في كل مرة محاولًا سبر أغوار وأسرار ما حدث!
إنها المحبة حين تصبغ بالإيمان وحين يتمثَّلها سيد ولد آدم فيمشي بها بين الناس، إنها المحبة التي تجعل أبا ذر يمرِّغ خده في التراب لبلال الحبشي ليطأه بقدمه اقتصاصًا لأنه جرحه بكلمه لا تليق به فينهضه بلال ويعانقه! إنها المحبة التي نثرها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) على رؤوس من حوله، بل على رؤوس العالم أجمع، لدرجة أن كل واحد من أصحابه كان يشعر بنوع محبة خاصة به.
رسول خاتم من الله، يتلقى الوحي من مخلوق ينزل من السماء، في صحراء قاحلة تراه يمشي ذات يوم مع معاذ وهو واحد من أصحابه، فما الذي يمكن أن يدور بينهما من حديث؟ مراجعة لكتاب الله مثلًا أو تخطيط عسكري للهجوم على الروم أو الفرس أو تقويم لسلوك ما لم يعجبه في معاذ، ما الذي يمكن أن يدور بين رئيس دولة في مفهومنا الحالي وبين أحد حاشيته ورعاياه؟ اقرأ بقلبك: فإذا بالنبي (صلى الله عليه وسلم) يقترب منه ويمسك بيده، ثم يقول: “يا معاذ، والله إني أحبك”.
حاول أن تضع نفسك مكان معاذ، أي قيمة للحياة بعد هذا الاعتراف النبوي الصافي!
إن الحب ثقافة معدية يستحيل ألا يصيبك شيء منها إن كنت في محيط تغشاها، وهذا المعنى أيضًا هو معنى وقيمة نبوية، فقد جاء رجل يُعلن عن حبه لأحد المسلمين فقال له النبي (صلى الله عليه وسلم): “قم، فأعلمه..”.
أتراه يقف حب النبي الكريم هنالك في مكة قبل سنين بعيدة! أتراه ينالنا منه شيء نحن أهل القرن الواحد والعشرين، أهل زمان المحن والفتن؟ نعم ينالنا؛ ينالك أيها القارئ من محبته التي لا تنتهي ولا تعرف زمانًا ولا مكانًا، ففي ذات يوم وعند المقبرة يخبر أصحابه أنه قد اشتاق إلى إخوانه وودَّ لو أنه رآهم، فيثير ذلك عجب الصحابة: أولسنا إخوانك يا رسول الله؟ فيجيبهم: أنتم أصحابي، وإخواني الذين لم يأتوا بعد.
يا هذا لك مكان في قلب النبي فاستبشر.
الفكرة من كتاب الرجل النبيل.. محمد رسول الله
“هذه الحياة السوداء لا تليق بمحمد مهما حاول أن يمسح شيئًا من السواد عن لوحتها الكبيرة، إن الأصباغ القاتمة تراكمت بطيش حتى بات من العسير إضافة لون أبيض أو معنى جميل، لذلك فقد حُبِّب لهذا الشاب أن يترك الجاهلية وراء ظهره ويذهب كلما سنحت له الفرصة إلى تلك الجبال البعيدة التي يسمعها تهمس بأشياء تدركها روحه ولا يتحقَّقها عقله كأنما تريد أن تقول له شيئًا مهمًّا للغاية، وكأنها تريد أن تُفصح له عن ماهيته التي ما زال حتى اللحظة لا يدركها”.
جوانب متفرقة متنوعة متكاملة من حياة المصطفى (صلى الله عليه وسلم) يجمعها الكاتب ويصوغها بأسلوب يرقِّق القلب ويدمع العين حتى إنك تود أنه في نهاية الكتاب لم ينتهِ من تعطيرك بسيرة الحبيب ولو أنه أطال قليلًا.
ستخرج بعد هذا الكتاب وهذه المواقف المتنوعة متعطشًا للتعلم والتعرف على سيرة أعظم البشر (صلى الله عليه وسلم).
مؤلف كتاب الرجل النبيل.. محمد رسول الله
علي بن يحيى بن جابر الفيفي: كاتب ومحاضر في قسم الشريعة واللغة العربية في كلية البرامج المشتركة بالمحالة بالسعودية، حاصل على بكالوريوس في تخصص الدعوة، هذا إلى جانب حصوله على درجة الماجستير في تخصص الدعوة والاحتساب، وله العديد من الأبحاث العلمية المتميزة.
ومن أبرز مؤلفاته:
لأنك الله.
سوار أمي.
يوسفيات.