معالجة الأزمات الأخلاقية
معالجة الأزمات الأخلاقية
إن كنَّا نسلِّم بأن المتخلق بأخلاق الدين الإسلامي لزمه أن يتصف بالعقل والعلم، لكن لا نسلم بأنه لكي يتصف بهما أن يندفع آخذًا كل مناهج العقل والعلم التي جاء بها النمط المعرفي الحديث، لأن هذا النمط يقوم على أصلين، الأول: “لا أخلاق في العلم” مما ورَّث (أزمة صدق) والثاني: “لا غيب في العقل” مما ورَّث (أزمة قصد)، ومن ثَم لا يمكن للمتخلِّق بأخلاق الدين أن يقبلها أو يدعو إليها؛ لذا يحتاج المتخلق إلى نمط معرفي بديل يدرأ به آفة الانقطاع عن الأخلاق، بحيث يصل العِلم بالأخلاق، ويدرأ آفة الانقطاع عن الغيب، فيصل العقل بالغيب، وتحقُّق ذلك يكون من خلال التخليق المؤيد، الذي يولد في نفس المتخلق فاعلية تعيد إليه تكامله المادي الروحي.
إن عقلانية النظام العلمي التقني تدعو إلى مبادئ سلوكية تضر بالأخلاق الدينية ضررًا يتزايد بحسب مراتب تلك العقلانية، حيث تستبعد الأخلاق، ثم تستحوذ عليها، وأخيرًا تصطنع بديلًا عنها، ونتيجة ذلك ظهرت عدَّة نظريات أخلاقية تحاول أن تصحِّح النظام العلمي التقني، لكن جميعها أخلاقيات “تعقلية” مثل الأخلاقيات التقليدية، لم تخرج عن النظريات القديمة إلا خروجًا ظاهريًّا، فاصبحت عبارة عن نظريات تنكرية وإنكارية.
بينما النظرية التي يجب أن تناظر النظام العلمي التقني، هي نظرية “التعبُّد” التي تستبدل التخلق بالتعقل، والتعرف بالتنكر، فتخرج الإنسان من قبضة نظام يتسلَّط عليه ويقهره، طالبًا لحظوظ السيادة على الكون، لترده إلى أداء حقوق العبودية لسيد الكون (الله) الذي سخر للإنسان هذا الكون.
الفكرة من كتاب سؤال الأخلاق.. مساهمة في النقد الأخلاقي للحداثة الغربية
قد التبس الأمر على دُعاة العقلانية من المُحدَثين، فظنُّوا أن العقلانية واحدة لا ثاني لها، وليس الأمر كذلك، إذ تأتي العقلانية على قسمين، فهناك “العقلانية المجردة من الأخلاقية” وتلك يشترك فيها الإنسان مع البهيمة، وهناك “العقلانية المُسدَّدة بالأخلاقية”، وتلك يختص بها الإنسان عمَّن سواه، فالأخلاقية هي ما يكون بها الإنسان إنسانًا، إذ يجب أن تتجلى الأخلاقية في كل فعل من أفعال الإنسان.
مؤلف كتاب سؤال الأخلاق.. مساهمة في النقد الأخلاقي للحداثة الغربية
الفيلسوف المغربي المجدد طه عبد الرحمن، متخصِّص في علم المنطق وفلسفة اللغة والأخلاق، أحد أبرز الفلاسفة والمفكرين منذ سبعينيات القرن الماضي.
كتب العديد من الكتب التي يؤسس من خلالها فلسفة إسلامية جديدة، ومن تلك الكتب: “العمل الديني وتجديد العقل”، و”روح الحداثة”، و”بؤس الدهرانية”، و”ما بعد الدهرانية”.