نقد اعتقادات شائعة عن الدين والأخلاق
نقد اعتقادات شائعة عن الدين والأخلاق
بذكر ما سبق يتبين لنا أن الدين والأخلاق شيء واحد، فلا أخلاق بغير دين، ولا دين بغير أخلاق، ومن الاعتقادات الشائعة أن الأصل في حفظ الدين، حفظ الشعائر الظاهرة، بينما الغرض من الشعيرة الدينية هو ما يتركه أداؤها من آثار مخصوصة في القائم بها، بحيث تنقله من الحال التي هو عليها، إلى حال تفضُلها وتعلوها، فتكون الشعائر معقولة لا بظواهرها وإنما بآثارها، فيجب أن يكون الغرض الأول من الشعائر تحصيل الأخلاق، بحيث تكون قيمة الشعيرة مُعلَّقة بالخُلُق الذي تحتها، إذا زاد فضل الخُلُق زادت درجة الشعيرة، وإذا نقص نقُصت، كما يجب أن تكون قيمة أداء الشعيرة معلقة بمدى تحقق هذا الخُلُق في سلوك مؤديها، فإذا حسن السلوك حسن الأداء، وإذا ساء السلوك ساء الأداء.
كما أن الاعتقاد بأن الأصل في الأخلاق حفظ الأفعال الكمالية، هو اعتقاد خاطئ يجعلها أفعالًا زائدة على الهوية والوجود، فاشتهر عن الأخلاق أنها “فضيلة” والفضيلة ما زاد على الحاجة، وهذا الوصف للأخلاق ناتج عن التأثر بالفلسفة اليونانية، والحال أن الأخلاق ليست كمالات، بل ضرورات، بحيث إذا وُجِدت، وُجِدت الهوية، وإذا فُقِدت، فُقِدت الهوية، والدليل أن الإنسان لو أتى ضدها، لعُدَّ في الأنعام لا في الأنام، فيتعيَّن علينا أن نعدَّ الأخلاق داخلة في تعريف هوية الإنسان، ولن يحصل ذلك إلا إذا جعلنا وجود الإنسان مصاحبًا لوجود الأخلاق وليس متقدمًا عليها.
الفكرة من كتاب سؤال الأخلاق.. مساهمة في النقد الأخلاقي للحداثة الغربية
قد التبس الأمر على دُعاة العقلانية من المُحدَثين، فظنُّوا أن العقلانية واحدة لا ثاني لها، وليس الأمر كذلك، إذ تأتي العقلانية على قسمين، فهناك “العقلانية المجردة من الأخلاقية” وتلك يشترك فيها الإنسان مع البهيمة، وهناك “العقلانية المُسدَّدة بالأخلاقية”، وتلك يختص بها الإنسان عمَّن سواه، فالأخلاقية هي ما يكون بها الإنسان إنسانًا، إذ يجب أن تتجلى الأخلاقية في كل فعل من أفعال الإنسان.
مؤلف كتاب سؤال الأخلاق.. مساهمة في النقد الأخلاقي للحداثة الغربية
الفيلسوف المغربي المجدد طه عبد الرحمن، متخصِّص في علم المنطق وفلسفة اللغة والأخلاق، أحد أبرز الفلاسفة والمفكرين منذ سبعينيات القرن الماضي.
كتب العديد من الكتب التي يؤسس من خلالها فلسفة إسلامية جديدة، ومن تلك الكتب: “العمل الديني وتجديد العقل”، و”روح الحداثة”، و”بؤس الدهرانية”، و”ما بعد الدهرانية”.