صفات المُربي الصالح
صفات المُربي الصالح
التواضع وتقبُّل النقد لا يقلِّلان من منزلة المُربي، بل يزيداه في أعين الناس رفعة واحترامًا، فتشجيع الأولاد على مصارحة الأهل بما يظنونه بدل أن يتهامسوا بعيوب الأهل في الخفاء. لقد كان الشيخ الطنطاوي رغم المكانة التي وصل إليها لم تمنعه يومًا من التواضع للصغار، فكان يطلب منهم أن يعينوه على نفسه، وينقدوه ويهدوا إليه عيوبه، مشجعًا لهم بقوله: “كفى بالمرء نُبلًا أن تُعدَّ معايبه”.
القوة لا تعني القسوة، ولو كانت كذلك لكان النبي (صلى الله عليه وسلم) أضعف الناس، فليكن اعتماد الآباء في تربية الأبناء على المحبة والرحمة، مع تذكر حقيقة أن كبر الأبوين عجز، وكبر الأبناء قوة، فإن زُرِعت فيهم المحبة وهم صغار، كانوا أول من يجني ثمارها الحلوة حين يكبرون، فكثير من الآباء من ينجح في أن يكون مُهابًا قاسيًا يقود أهل بيته بالقوة، لكن قليلًا منهم من ينجح في أن يقودهم باللطف واللين.
وكان الشيخ من هؤلاء القليلين، وهو قد جمع بين اللطف والحزم، فكان يمازحهم حينًا ثم يعرفهم أن وقت الجد قد حان، وبهذا الأسلوب السهل كان رأيه مُطاعًا وطلبه مجابًا، يتسابق الصغار على إرضائه والقيام على خدمته، وربما أخطأ الواحد منهم خطأً كبيرًا فيحدِّجه بنظراته، ثم يُسمِعه كلمات قاسية واضحة بهدوء وحزم بالغ دون صياح أو انفعال، فالصياح يفقد المُربي هيبته والانفعال يقلِّل من احترامه ويدني منزلته.
كانت الأمور لا تصل إلى الضرب إلا في أحوال نادرة اضطرارًا، لأن آخر الدواء الكي، فكان الضرب هو البند الأخير في قائمة العقوبات، وكان الضرب – رغم ندرته- للتأديب لا للانتقام.
الفكرة من كتاب هكذا ربَّانا جدي علي الطنطاوي
تقول المؤلفة إن “التربية بالقدوة لا يعادلها تربية، أن يراك طفلك وقد طابقت أقوالك أفعالك، وصرت أنت المبادئ التي تحثُّهم على امتثالها، فلن يضيع الله ذريتك وأنت على الخُلق القويم تسير”.
سيجعلك هذا الكتاب ترى الشيخ علي الطنطاوي من منظور آخر غير الذي اعتدناه، فنحن نعرف على الطنطاوي الداعية والمفكر وعالم الإسلام الكبير، ولكننا لم نره في حُلة الجد العطوف والمُربي الداعم والموجِّه المبدع – الذي جمع بين أوامر الدين ومعاصرة الحياة – إلا هنا على لسان حفيدته، فقد كان لهم تجسيدًا صادقًا عما أرادهم أن يصيروه، ولم يترك موقفًا يمر دون أن يبذر فيهم بذرة خُلُق.
مؤلف كتاب هكذا ربَّانا جدي علي الطنطاوي
عابدة المؤيد العظم: مفكرة إسلامية وباحثة ومؤلفة في الفكر والتربية والفقه والقضايا الاجتماعية، حصلت على ماجستير في الشريعة والتخصص في الفكر الإسلامي عنوان الرسالة “أزمة الهوية” 2016، وهي أستاذة لمادة فقه العبادات وفقه الأسرة والاقتصاد الإسلامي والتربية الإسلامية، وتسعى لنشر الوعي الاجتماعي وإصلاح العلاقات والتربية وفهم المراحل العمرية المختلفة، وهذا ما يبرز في كتبها مثل: “هكذا يفكِّر الصغار”، و”المراهقة وهم أم حقيقة؟”، وكتاب “لئلا يتمرد أولادنا”.