عن الآخرة وصدق الالتجاء إلى الله
عن الآخرة وصدق الالتجاء إلى الله
إذا فقهنا حقيقة أن الدنيا ليست دار جزاء، تعلَّقت قلوبنا بالآخرة، وذلك هو أساس آخر نبني عليه حسن ظننا بالله، ونتذكَّر أن الآخرة خير وأبقى وإن استعجلت النفوس الثمار، وكما يقول الحسن البصري: “من لم يتعزَّ بعزاء الآخرة تقطَّعت نفسه على الدنيا حسرات”، والدنيا كسجن ننتظر أن نخرج من ضيقها إلى رحابة الجنة في الآخرة، فلا ننشغل بملهياتها وتكون المركزية في حياتنا فيها هي مرضاة الله والفوز بثوابه.
وفي الصبر على البلاء لا يضيع شيء ولا يهدر وإن خُيِّلَ إلينا ذلك، فقد قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): “مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلاَ وَصَبٍ وَلاَ هَمٍّ وَلاَ حَزَن وَلاَ أَذًى وَلاَ غمٍّ، حتَّى الشَّوْكَةُ يُشَاكُها إِلاَّ كفَّر اللَّه بهَا مِنْ خطَايَاه”، وتنفعنا الحسنات يوم لا ينفع مال ولا بنون. وعبارة مثل “ما لنا إلا الله” لا يجب أن تكون عبارة إشهار إفلاس كما يستعملها البعض حين لا يجد حاجته عند البشر، بل الأصل أنه من فقد الله فقد كل شيء ومن كان الله معه ما احتاج إلى شيء والله يكفيه.
علينا أن نأخذ بالأسباب، لكن مع إحساننا التوكُّل على الله، وحين تنقطع الأسباب يحيا في قلوبنا شعور الالتجاء الصادق إليه سبحانه، والفضل لله في كل خير يحصل للعباد، فيقول تعالى: ﴿وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَىٰ مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾، ويقول تعالى﴿وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ﴾، ﴿فَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنتُم مِّنَ الْخَاسِرِينَ﴾، والتوفيق الحقيقي ألا يكِلَك الله إلى نفسك، فقدراتك لن تنفعك بغير رحمة الله وتوفيقه، وضعفك لا علاج له إلا أن تتبرَّأ من حولك وقوتك إلى حول الله وقوته، فحين تضع رأسك لتنام كن صادقًا وأنت تردِّد: “اللهم أسلمتُ نفسي إليك، ووجَّهت وجهي إليك، وفوَّضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، رغبةً ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت، ونبيك الذي أرسلت”، كما علمنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وكن موقنًا في دعائك حين تصبح وحين تُمسي: “يا حيُّ، يا قيُّوم، برحمتك أستغيث، أصلح لي شأني كلَّه، ولا تكلني إلى نفسي طرفةَ عين”.
الفكرة من كتاب حسن الظن بالله
يقول (صلى الله عليه وسلم): يقول الله تعالى: “أنا عند ظن عبدي بي”، فمن ظن بالله خيرًا أفاض عليه جزيل خيراته وجميل كراماته، ومن عامل الله باليقين أدهشه الله من عطائه بما يفوق خياله، فالله جل جلاله يعامل عباده على حسب ظنونهم به، ويفعل بهم ما يتوقعونه منه وفوقه.
يأخذنا هذا الكتاب في رحلة نتعلَّم فيها معنى حسن الظن بالله، وكيف نحوِّل المحنة إلى منحة، وكيف نستمتع بنعمة البلاء، وكيف نستبشر بكل الأمور، وكيف نعلِّق قلوبنا بالله سبحانه ونطهرها من العتب على الأقدار، ونعرف الأُسس التي يُقام عليها حسن الظن بالله، ومنها تأمُّل أسماء الله تعالى وصفاته، وتأمُّل نعم الله، والتعلق بالدار الآخرة.
مؤلف كتاب حسن الظن بالله
إياد عبد الحافظ قنيبي: دكتور في علم الأدوية الجزيئي، حاصل على الدكتوراه من جامعة هيوستن الأمريكية ومارس بحثه في مركز تكساس الطبي، وقد شارك في براءتي اختراع في مجال التئام الجروح، وعدد من الأبحاث العلاجية في مجالات عدة، كما أنه أحد ثلاثة مراجعين أكاديميين لأكثر كتب علم الأدوية انتشارًا في العالم، وهو كتاب Lippincott Illustrated Reviews: Pharmacology في الطبعة الثامنة من الكتاب الصادرة في عام 2018، ويعمل حاليًّا في كلية الصيدلة بجامعة جرش في الأردن.
كما تلقَّى الدكتور إياد العلوم الشرعية عن عدد من العلماء بجهد ذاتي، وله مقالات ومحاضرات في مجالات متنوِّعة مثل بناء الإيمان على أسس منهجية والرد على الشبهات وسلاسل في التأملات القرآنية، ومناقشات منهجية في سلسلة رحلة اليقين، وسلسلة المرأة، ويمكن متابعة تلك السلاسل المرئية وغيرها على يوتيوب، ومن مؤلفاته: متعة التدبُّر، وندى تشتكي لعائشة، وتحرير المرأة الغربية القصة الكاملة.