فقه الدين
فقه الدين
فقه الشيء أي فهمه وإدراكه، والفقه في الإسلام هو جهد ممدوح ومطلوب من المسلمين، وهو على ثلاثة أنواع، الأول فقه النصوص الشرعية عبر التأمل والتدبُّر في نصوص الوحي قرآنًا وسنة، في قضايا الاعتقاد وفي الأمور العملية، وهو الذي فعله المسلمون الأوائل من الصحابة وتابعيهم، وصنعوا الصورة المثلى لما ينبغي أن يكون عليه المسلمون، وسار على دربهم العلماء المجتهدون في القرون الأولى، والنوع الثاني هو فقه الكون والحياة، أي فقه السنن الكونية الثابتة التي أخبر الله (عز وجل) عنها ألا تتبدَّل ولا تتغيَّر، والنوع الثالث هو نتاج التلاقح بين النوعين الأولين، مما يجعل الإنسان قادرًا على العيش في الدنيا، والتكيُّف في الحياة وفق مراد الله، ومن ثم يستطيع تدبير أمور الدنيا وإيجاد السبل لحل مشكلاتها، ومواجهة صعوباتها، دون أن يقع في مصادمة للتشريعات الإلهية، ويتجلَّى هذا في إنتاج نظم في كل مجالات الحياة، وإبداع طرق ووسائل يستطيع المجتمع من خلالها أن يسدَّ حاجاتها الأساسية وغيرها في اتساق مع قواعد الشريعة دون الإخلال بها.
ولا شك أن هناك أطرًا وأساسيات للتفقُّه في الدين، ومن هذه الأطر التثبُّت من صحة نسبة النصوص إلى الشارع، والحديث هنا عن سنة النبي (صلى الله عليه وسلم) لأن القرآن مقطوع بصحته، وبعد التثبت من صحة النص يأتي التثبت من صحة الاستدلال، كي يُتجنَّب الفهم الخاطئ للنصوص، ولا بدَّ لهذا من أدوات ومعارف، كالإلمام باللغة العربية، وأصول الفقه وغيرهما من الأدوات التي تحول دون حمل النصوص الشرعية على غير دلالاتها، وقد كان السلف في الماضي يتبنَّون طرقًا في التعامل مع النصوص، فهم يراعون المعاني الصحيحة المعلومة بالشرع والعقل، وكانوا يحترزون من استخدام المصطلحات الوافدة المستوردة من بيئات مغايرة لأنها تحمل معاني تخالف الوحيين.
يسر الله (عز وجل) نصوص الوحي للفهم، وهي على مراتب، منها النصوص الواضحة على مراتب؛ الظاهر والنص والمفسر والحكم، ومنها غير الواضحة على مراتب أيضًا؛ وهي الخفي والمشكل والمجمل، ولا بدَّ لمن يسعى إلى نيل لقب المثقف المسلم أن يجتهد في فهم النصوص الشرعية وإنزالها على أرض الواقع، مراعيًا ضوابط الاجتهاد، وأن تكون مقاصد الشريعة محركةً لما يتبنَّاه من أفكار وأطروحات.
الفكرة من كتاب المثقف العربي بين العصرانية والإسلامية
يطرح هذا الكتاب بعدًا نظريًّا وبعدًا واقعيًّا، البعد النظري يدور حول ماهية الثقافة وموقعها من المجتمعات، وشخصية المثقف ومقوماته، والبعد التطبيقي يختصُّ بالتحوُّلات الثقافية في العالم العربي في القرنين الماضيين، وتأمل حال من تسمَّوا بالنخبة الثقافية عصرانيين كانوا أو إسلاميين، مع وضع تصور للخصائص والمؤهلات والملكات التي ينبغي أن يتحلى بها المثقف المسلم في العصر الحديث.
مؤلف كتاب المثقف العربي بين العصرانية والإسلامية
الدكتور عبد الرحمن بن زيد الزنيدي: أستاذ الثقافة الإسلامية بكلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود، وعضو المجلس العلمي بمركز البحوث والدراسات الإسلامية بوزارة الشؤون الإسلامية بالمملكة العربية السعودية.
من أهم مؤلفاته: “مصادر المعرفة بين الفكر الديني والفلسفي”، و”السلفية وقضايا العصر”، و”حقيقة الفكر الإسلامي”، و”مناهج البحث في العقيدة الإسلامية في العصر الحاضر”.