معضلة الأمن والقوة
معضلة الأمن والقوة
في ظل عالم يموج بالصراعات والاقتتال يصبح امتلاك القوة أحد أهم عوامل الأمان التي ترنو إليها كل الدول بلا استثناء، ففي ظل عالم الفوضى وانعدام الأمن لن يتورَّع الأقوياء عن حزِّ رقاب الضعفاء إرضاءً لمصالحهم، ولكن ثمة مشكلة وهي أن سعي الدول إلى امتلاك المزيد من أسباب القوة طلبًا للحماية قد يؤدي إلى قلق الآخرين ويدفعهم هم كذلك للانخراط في سباق القوة، وهكذا يدور العالم في دائرة مفرغة، مما يجعل الكوكب بأسره على شفا حرب قد تندلع في أي وقت نتيجة هذا التسابق غير المسبوق في التسلُّح العالمي، فالبندقية التي يتم تعليقها في بداية المسرحية لا بدَّ أن تطلق النار في النهاية.
من هنا انقلب امتلاك أسباب القوة من عامل أمان إلى أحد أهم أسباب القلق والصراع، ولكن العالم اليوم بات أكثر عقلانية من ذي قبل، ويعزي الكثير من الباحثين السبب في ذلك إلى النتائج الكارثية التي تسبَّبت فيها الحرب العالمية الثانية، فالعالم تعلَّم الدرس وليس أحمق ليدفع الفاتورة مجددًا، وبخاصةٍ مع هذا التطور المرعب في الترسانة النووية العالمية، فالكل يعلم أن ليس هناك منتصر في أي حرب نووية، ستصبح بلا شك جحيمًا على الجميع.
من هنا كانت الدول العظمى أكثر مواءمة في التعامل مع صراعاتها، فما دامت القوة هي سلب إرادة المغلوب فقد لجأ العالم إلى حروب أكثر ذكاءً تضاهي في نتائجها القوة التدميرية للحروب التقليدية دون طلقة واحدة! عبر إفشال الدول داخليًّا وإثارة القلاقل الاجتماعية والنعرات الطائفية، أما إذا اضطرت إلى الاشتباك على الأرض فتلجأ إلى الحرب بالوكالة أو العمليات النوعية عبر مخالبها المتمثِّلة في ثعالب المخابرات أو فرق الاغتيال ومجموعات المرتزقة، كما حدث في تعطيل البرنامج النووي الإيراني سواء عبر فيروس “ستوكسنت” الذي استهدف أجهزة الطرد المركزية في المفاعلات النووية، – أو مثلما حدث في اغتيال العالم النووي الإيراني المشهور محسن فخري زاده-.
الفكرة من كتاب إعادة النظر في النظام الدولي الجديد
في اللحظة التي بلغ فيها النظام الدولي درجة لم يعرفها قط من الاستقرار النسبي، يتأزَّم كلٌّ من البعدين السياسي والاقتصادي للنظام العالمي، ورغم أن هناك مجموعة واسعة من المؤسسات الدولية الكبرى على رأسه؛ فإنها على درجة من الضعف جعلها تلقَى فقط اعترافًا شكليًّا في معظم الدول ولا تصلح أساسًا متينًا لنظام دولي مستقر، لذا كانت أهمية هذا الكتاب ليطلعنا على الماضي والواقع والمستقبل في آن واحد.
مؤلف كتاب إعادة النظر في النظام الدولي الجديد
يورغ سورنسن Georg Sorensen: أستاذ العلوم السياسية ونظم الحكم في جامعة آرهوس، حصل على الماجستير في العلوم السياسية 1975، وعلى درجة الدكتوراه في العلوم الاجتماعية 1983، وكان عضو مجلس البحوث الأوروبي 2012، وعضو مجلس إدارة معهد أبحاث السلام في أوسلو 2013.
له العديد من المؤلفات منها: “الدول الهشة: العنف وفشل التدخل”، و”نظام عالمي ليبرالي في أزمة.. الاختيار بين الفرض وضبط النفس”، و”تحول الدولة.. ما وراء أسطورة التراجع”.