مستقبل مهدَّد!
مستقبل مهدَّد!
يظل الخوف من المستقبل هو الهاجس الذي يسيطر على الدول والمجتمعات، فرغم أن الكون احتاج ما يقرب من مليون سنة حتى يصل إلى وضعه الحالي، فإن الاستخدام المجحف للموارد الطبيعية من قِبل البشر الذين لم يتعدَّ وجودهم بضعة آلاف سنة قد أخلَّ بالنظام البيولوجي والتوازن الطبيعي القائم، وأفقد الموارد قدرتها على التجدد تلقائيًّا وتعويض الفاقد منها، ورغم إسهام الثورة التكنولوجية في إحداث نقلة نوعية في الحياة المادية للبشر، فإنها فصلت التنمية الاقتصادية عن بيئتها الاجتماعية، فأصبحت بذلك تخضع لعدة أرقام أدَّت إلى إفقار الحياة على الأرض.
وزادت معدَّلات الاحتباس الحراري نتيجة الإفراط في زيادة الغازات الدفيئة الناتجة عن الآلة الصناعية للعالم، وتجريف الغابات بقطع أشجارها، وارتفع منسوب المياه في البحار نتيجة ذوبان الجليد في القطب الشمالي فتهدَّدت بذلك دولًا بأكملها من الغرف مستقبلًا، بالإضافة إلى زيادة معدلات تلوث الماء والهواء نتيجة النفايات الصناعية، كما تسبَّب اختلال النظام البيولوجي إلى شحِّ الأمطار ونقص المياه العذبة مع انتشار الجفاف والتصحُّر، مما أدَّى بالتبعية إلى نقص المحاصيل الزراعية، وبالتالي التسبُّب في تهديد الأمن الغذائي وحصول العديد من المجاعات التي حصدت الكثير من الأرواح.
ومع دقِّ نواقيس الخطر، بدأت الدول أخيرًا تلتفت إلى الأخطار المحدقة التي تحيط بها من كل حدب وصوب، وانتشرت القمم العالمية للمناخ والمؤتمرات الدولية للحفاظ على البيئة، والتي شكَّلت ميدانًا للصراع بين الدول المتقدمة التي تريد هندسة الكوكب وفق مصالحها الخاصة، وبين الدول النامية التي ترى في إملاءات معسكر الأغنياء قيودًا على حقوقها المشروعة في التنمية، متناسين أن الكوكب يحتضر! فالطبيعة عندما تتحدَّث سيُجبر الجميع على الاستماع لها، ونتيجة لذلك بدأت الجهود الدولية تتجه نحو إيجاد صيغة من المواءمة بين متطلَّبات النمو الاقتصادي وتحمُّل المسؤولية المجتمعية تجاه مستقبل الحياة البشرية على هذا الكوكب.
الفكرة من كتاب مستقبلنا المشترك
لقد شاءت حكمة الله أن يجعل الأرض محور الحياة الإنسانية، فأمدَّها بجميع ما يحتاج إليه الإنسان الذي تمكَّن من تطوير حضارات متقدِّمة أتاحت فرصة الارتقاء وتحقيق الرفاه عبر الاستفادة والتمتُّع بالثروات الطبيعية الهائلة وتحقيق التقارب بين أجزاء الكرة الأرضية بواسطة التقدم في وسائل الاتصالات والمواصلات الحديثة، ولكن هل لتلك الأشياء أن تستمر في المستقبل؟! فإذا كان الغد وليد الحاضر فعلينا أن نقلق جراء تلك الممارسات غير المسؤولة من البشر والتي تهدِّد النظام الكوكبي بأكمله، فهذا الكتاب أشبه بناقوس خطر لمستقبل مجهول!
مؤلف كتاب مستقبلنا المشترك
اللجنة العالمية للبيئة والتنمية: تمَّ تشكيلها في إثر قرار الجمعية العامة رقم 38/161 الصادر عن الدورة الـ38 للأمم المتحدة في خريف 1983، وقد عملت اللجنة بوصفها هيئة مستقلة على بناء مستقبل أكثر ازدهارًا وعدالةً وأمنًا، لأنها تستند إلى سياسات وممارسات من شأنها توسيع واستدامة القاعدة البيئية للتنمية في مجالات السكان والطاقة والصناعة والأمن الغذائي، والعلاقات الاقتصادية الدولية والتعاون الدولي وإدارة البيئة.