الصناعة قاطرة التنمية
الصناعة قاطرة التنمية
تعدُّ ألمانيا الملكة المتوَّجة على عرش الاقتصاد الأوروبي وأحد الأقطاب العالمية من حيث الناتج المحلي الإجمالي، ولعل قوة القطاع الصناعي الألماني هي دائمًا كلمة السر في قوتها واستقرارها، وهذا ما عكسه عدم تأثُّرها بالأزمة المالية 2008 بشكل كبير، ولكن مع استعراض تاريخ تلك الثورة الصناعية نجد أنها لاقت الكثير من العقبات التي كادت تنهار بسببها.
ومن تلك العقبات كانت العوامل الجغرافية التي تمثَّلت في صعوبة الوصول إلى أسواق المنتجات والسلع نتيجة قلة عدد المواني وقت انطلاق النهضة الصناعية، كذلك ضعف النمو السكاني وما تبعه من ضعف الطلب المحلي على السلع والخدمات، ولا ننسى بالطبع الآثار المكلفة للحروب التي خاضتها ألمانيا وويلاتها التي تمثَّلت في النتائج الاقتصادية المجحفة التي عانت منها خصوصًا بعد الحرب العالمية الأولى، فضلًا عن البنية المجتمعية المهترئة والناتجة عن الفكر المحافظ المتسلِّط والانقسامات الحادة في المجتمع الألماني، وعدم توافر رؤوس الأموال اللازمة للانطلاقة الاقتصادية.
ولكن دائمًا ما كان القرار الجريء هو مفتاح الحلول حيث تم التخلُّص من التبعية الكنسية ونفوذها المسيطر على مفاصل الحياة، وتم ابتكار القطار والبواخر الشراعية للتغلُّب على مشكلات الوصول إلى الأسواق، وأُزيلت الحواجز الجمركية الداخلية بين مناطق النفوذ المختلفة، كما حُرر الفلاحون وأُلغيت العبودية، مما كان له الأثر الأكبر في عملية التحول الاقتصادي وحجز مكان بين العمالقة الكبار، فاحتلت المركز الثالث كأقوى مصدر عالمي للسلع والخدمات عام 2016، كما تستقبل أراضيها نصف المعارض التجارية العالمية المختلفة، وأصبحت رقمًا من الصعب تجاوزه في عدد من القطاعات الصناعية العملاقة والتي تعد مواطن القوة الصناعية للاقتصاد الألماني، وتشمل صناعة الطيران والآلات والسيارات، والصناعات الكيميائية والطبية، وصناعة الإلكترونيات وتكنولوجيا المعلومات، وصناعة الطاقة والتكنولوجيا البيئية، والصناعات الاستهلاكية والخدمات.
الفكرة من كتاب التجربة النهضوية الألمانية.. كيف تغلَّبت ألمانيا على معوِّقات النهضة؟
كثير من الرجال الألمان قضوا نحبهم بعد الحرب العالمية الثانية فاختلَّ بذلك الميزان الديموغرافي للسكان، وهكذا أصبحت البلاد تعاني نقصًا حادًّا في أعداد الذكور، فكان على النساء الأخذ بزمام المبادرة لإعادة بناء البلاد من جديد، فخرجت تحمل بيدها رضيعها وبيدها الأخرى تزيح الأنقاض ومخلفات الحرب، حتى الأطفال قرَّروا أن يكون لهم دور في بناء الوطن، فكيف لا ينحني المرء تقديرًا وإجلالًا أمام مشهد كهذا؟!
نحن أمام مراجعة حية لمسارات التجربة النهضوية الألمانية من نواحٍ شتى، شملت المسارات التاريخية والسياسية والاجتماعية ولم تهمل كذلك الخلفيات الفكرية والبناء العقائدي، حيث تعرَّض الكاتب للظروف القاسية التي صاحبت عملية النهضة الألمانية، والإمكانات الاقتصادية والتكنولوجية، فصار الأمر أشبه ما يكون بروشتة للإصلاح الاقتصادي يمكن للدول الأخرى الاستفادة منها.
مؤلف كتاب التجربة النهضوية الألمانية.. كيف تغلَّبت ألمانيا على معوِّقات النهضة؟
الدكتور عبد الجليل أميم: أستاذ جامعي وُلد عام 1968، تخرج في جامعة يوحنا جوتنبرغ بماينس، شعبة الفلسفة والبيداغوجيا، وحصل على الماجستير والدكتوراه في ذات التخصُّص، كما حصل على درجة الأستاذية في عام 2017، وتولى العديد من المهام الإدارية منها: محافظ خزانة كلية الآداب والعلوم الإنسانية بمراكش، ومدير مختبر سبل LCP (اللسانيات، التواصل، البيداغوجيا) بكلية الآداب منذ تأسيسه 2011 إلى الآن.
وله العديد من المؤلفات والكتب المنشورة منها: «منهجيات وأدوات منهجية تطبيقية للبحث والتحليل في الفلسفة والأدب والعلوم الإنسانية»، و«مدخل إلى البيداغوجيا أو علوم التربية»، و«الدين، السياسة، المجتمع.. في نسبية الطرح العلماني».