يوم في الجاهلية
يوم في الجاهلية
في أحد أيام ذي القعدة وكان يُقام سوق كبير يُسمى سوق عكاظ في أرض نجد خرج رجل ثلاثيني وهو خوَّات بن جُبير مُتجهًا إلى السوق، وهو في طريقه رأى فتاة أجمل من البدر تبيع السَّمن فحاول أن يُلاطفها فرفضت وانشغلت ببيعها، فجاء شيطانه ليوسوس له بحيلة ليوقعها فرجع إلى بيته وغيَّرَ ثيابه وتنكَّر وعاد إليها بملابس جديدة ثم اقترب منها وتظاهر بجدِّيته في الشراء للسَّمن، وقال لها: لعلَّ سمنك هذا مشوب؟ أي مغشوش لتُجيب عليه: أَوَتشيب الحرَّة؟ فأجابها: إذًا انزلي إلى بطن الوادي حيث جملي لأذوق سمنك فإذا أعجبني اشتريته فإني أخاف أن يشرد، ونزلت بالفعل الفتاة حيث قال لها فيتذوَّق الأول ويقول ليس بمشوب ويعطيه لها مفتوحًا فتمسكه بيدها ويأخذ الآخر ويفعل نفس الأمر فتقول له تمهَّل حتى أغلق النحي الأول، أي جراب السمن فيدَّعي أنه يخاف على جَمله أن يشرد منه ورفض أن يساعدها في غلقه فانشغلت بيديها وأمسكها وقضى حاجته منها فلم تستطع الدفاع عن نفسها، ثم جاء يوم ليُسلم هذا الفتى ويهذبه الإسلام، وقد حكى عن نفسه أنه حين أسلم وهاجر إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) فإذا به في الطريق إلى المدينة التقى فتاة كان يعرفها من أيام الجاهلية وكانت صديقة له وحين أسلم تركها مخافةً من الله ومرضاةً له فغلبته نفسه وظل ينظر إليها فلم يزل على هذه الحالة حتى استفاق وهو مهشَّم الرأس ويسيل دمه بسبب أنه قابل جدارًا وذهب إلى النبي على هذه الحالة فأخبره، فقال النبي (صلى الله عليه وسلم) له: ما هذا الذي بوجهك؟ قال: نظرتُ إلى امرأةٍ فأتبعتُها بصري فأصاب وجهي زاوية بني فلانٍ، فقال النبي: “إن الله عز وجل إذا أراد بعبدٍ خيرًا عجَّل له عقوبته في الدنيا”.
الفكرة من كتاب خوات في ظلال التربية النبوية
لطالما كان صحابة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يأكلون من مأكله ويشربون من مشربه ويتعلَّمون منه في كل صغيرة وكبيرة حتى أنه علمهم الدعاء فكانوا انعكاسًا لتربيته النبوية لهم، وكان نهج حياتهم مع حياته، لذا كان الأولى بنا كمسلمين أن نقتدي بهم بعد رسول الله ونتربى على تربيتهم ونُربي كذلك، ومن إحدى السير المهمة ولكن نوعًا ما انغمست سيرته تقصيرًا منا كان الصحابي الفارس خوات بن جُبير الأنصاري الذي سنعرض كثيرًا من مواقف حياته مع النبي (صلى الله عليه وسلم) وكيف كان النبي فيها خير معلم ومُربٍّ، وكيف كانت نفوس الصحابة واستقبالهم لهذه التربية العظيمة النبوية.
مؤلف كتاب خوات في ظلال التربية النبوية
الدكتور محمد حشمت باحث وكاتب ومُحاضر، وباحث دكتوراه، وحاصل على ماجستير في العقيدة، وليسانس اللغة العربية والعلوم الإسلامية، وله عدة مؤلفات: “نظرية الدين والتدين”، و”الفهم والوهم”، و”أضغاث أوهام”، و”قراءة في أفكار عبد الجواد ياسين”، و”كعب بن مالك في ظلال التربية النبوية”، و”الرميصاء ظلال التربية النبوية”، و”جابر بن عبد الله ظلال التربية النبوية”.