يهود الروح!
يهود الروح!
“أن تكون يهوديًّا باللحم والدم لا يعني شيئًا، أما أن تكون يهوديًّا بالروح فهذا يعني كل شيء” هكذا قال جورج فوكس؛ فأمريكا لم تكن إلا امتدادًا إنجليزيًّا لفكرة إسرائيل التاريخية بَدءًا بعقيدة الشعب المختار وعبادة الذات وحق تقرير مصير الأمم الأخرى، فهم قد أسموا أنفسهم عبرانيين ويهودًا كما أطلقوا على عالمهم الجديد اسم أرض كنعان وإسرائيل الجديدة! فاستعمار الأرض واستبدال شعب بشعب، وتاريخ وثقافة بتاريخ وثقافة، تلك هي فكرة الدولة الأمريكية التي حركها إيمانهم بالاختيار الإلهي لهم فاستعمرت وغزت وقصفت أكثر من أربعين بلدًا منذ تأسيسها.
وكان المؤسسون للدولة الأمريكية، مثل جيفرسون وفرانكلين، يتخذون صورة الخروج اليهودي من مصر إلى كنعان مثلًا أعلى للنضال الأمريكي من أجل الحرية، وقد اقترح فرانكلين تصميمًا لخاتم الولايات المتحدة متمثلًا في رسم لموسى (عليه السلام) وهو يرفع يده والبحر منفلق أمامه، وقد تطوَّرت فكرة أمريكا عن إسرائيل، ففي كتابه القدر المتجلي يتحدث ألبرت وينبرغ عن نظرية “الجغرافيا الحيوية” التي تعني أن الدول المتفوقة ليس لها مكان جغرافي محدود وإنما هي كالكائن الحي دائم النمو، فالولايات المتحدة الأمريكية لا تعترف بحدود جغرافية وليس في دستورها ما يشير إلى ذلك، على العكس من إسرائيل التي تسعى إلى أرض محددة.
وكان دخول أمريكا الحربين العالميتين من أبواب هذا التوسع وفرض السيطرة على الشعوب الهمجية، أو كما قال الرئيس روزفلت “لإنقاذ العالم”، فأمريكا هي “المخِلّص” دائمًا بطبيعة الحال، وفي كتابه “مشكلة الغرب” يقول فردريك تيرنر إن الحروب لا ينبغي أن تضع أوزارها وتطفئ نيرانها أبدًا، فهي السبب الرئيس وراء نماء الاقتصاد الأمريكي.
الفكرة من كتاب أميركا والإبادات الجماعية
“تاريخنا مكتوب بالحبر الأبيض، إن أول ما يفعله المنتصر هو محو تاريخ المهزومين، ويا الله! ما أغزر دموعهم فوق دماء ضحاياهم، وما أسهل أن يسرقوا وجودهم من ضمير الأرض، هذه واحدة من الإبادات الكثيرة التي واجهناها وسيواجهها الفلسطينيون، فإن جلادنا المقدس واحد”.. بهذه الشهادة لمايكل هولي أحد نشطاء هنود شعب سو عام 1996 يبدأ منير العكش كتابه الذي يجمع فيه عددًا كبيرًا من الشهادات لمعرفة تاريخ الشعوب الأصلية في أمريكا من الهنود الحمر، تاريخ مائة واثني عشر مليون إنسان لم يبقَ منهم سوى ربع مليون في أول القرن العشرين، في الوقت الذي يوهمنا فيه تاريخ المنتصر بروايات الأرض الفارغة، ووحشية الشعوب الهندية، والخسائر الهامشية في سبيل تحقيق أقدار الله.
مؤلف كتاب أميركا والإبادات الجماعية
منير العكش: ناقد وباحث وأستاذ الإنسانيات ومدير الدراسات العربية في جامعة سفك في بوسطن، ومؤسس مجلة “جسور”، كان لتاريخ الهنود الحمر نصيب كبير من اهتمامه وبحوثه بالإضافة إلى ظاهرة الصهيونية غير اليهودية.
ألف كثيرًا من الكتب منها: “أميركا والإبادات الجنسية”، و”عن الشعر والجنس والثورة” بالمشاركة مع نزار قباني، و”الثقافة ومقاومة الموت”.