وهم الوعد العظيم
وهم الوعد العظيم
لقد وعدت الحضارة الغربية الإنسان منذ بداية العصر الصناعي بالتقدم غير المحدود، والإنتاج غير المحدود، والاستهلاك غير المحدود، والحرية الشخصية المطلقة، والسيطرة على الطبيعة وتسيُّد الإنسان عليها، وبالتالي الحصول على الحياة الطيبة والسعادة للجميع؛ فبعد أن تحطَّمت أغلال الإقطاع ظن الإنسان أن بمقدوره أن يفعل ما يريد في سبيل الحصول على السعادة، لكن سرعان ما تغيَّرت الأمور، فالشيوعية والاشتراكية -على سبيل المثال- بعد أن كانت حركة تهدف إلى إقامة مجتمع جديد وإنسان جديد تحوَّلت إلى حركة مثلها الأعلى تحقيق حياة برجوازية للجميع، وبالتالي ساد الاعتقاد بأن تحقيق الثروة والرفاهية سيحقِّق السعادة غير المحدودة للجميع.
لكن هذا لم يحدث، وأخفق العصر الصناعي في الوفاء بوعده، حيث أدرك الكثير من الناس -كما يرى فروم- أن إشباع كل رغبات الإنسان لن يحقق الحياة الطيبة ولا السعادة المرجوَّة، وأن الحرية الشخصية أضحت من أحلام اليقظة بعد أن أصبح الناس مجرد تروس في الآلة البيروقراطية، فالصناعة والحكومة وأجهزتهما الإعلامية صارت هي التي تشكِّل مشاعرنا وأفكارنا وأذواقنا وتتلاعب بها متى تشاء وكما تريد، كما أن التقدم الصناعي ظل حكرًا على الأمم الغنية وأضحت الهوة التي تفصل الأمم الغنية عن الأمم الفقيرة تتسع يومًا بعد يوم، وأضحى التقدُّم التكنولوجي وخطر الحرب النووية يشكلان خطرًا على البيئة الطبيعية وعلى بقاء الجنس البشري، ما يعني إنهاء كل أشكال الحضارة، بل وكل أشكال الحياة على الكوكب!
الفكرة من كتاب الإنسان بين الجوهر والمظهر
المجتمع عند فروم يتصارعه نمطان للعيش في هذه الحياة، نمط يقوم على “التملك” حيث الاستهلاك والاكتناز والرغبة في الاستحواذ وامتلاك الأشياء، وكذلك الرغبة في الشهرة والسلطة التي تحقق السيطرة على الآخرين، هذا النمط الذي يجعل الإنسان (ناقص الإنسانية)، ونمط آخر هو نمط “الكينونة” والوجود حيث اهتمام الإنسان بعلاقته مع البشر والارتقاء أخلاقيًّا وروحيًّا لتحقيق (كمال الإنسانية)، ومجتمعاتنا المعاصرة يهيمن عليها نمط التملك، ما يعني أن هناك كارثة تحيق بالإنسان تدفعه نحو الهاوية نفسيًّا وبيئيًّا، وأن البديل الوحيد لتجنُّب الكارثة وعدم السقوط في الهاوية هو العيش وفق “نمط الكينونة”.
مؤلف كتاب الإنسان بين الجوهر والمظهر
إريك فروم ، هو عالم نفس وفيلسوف وناقد اجتماعي ألماني، تعلم في جامعتي هيدلبرج وميونيخ، حصل على درجة الدكتوراه من جامعة هيدلبرج عام 1922 في علم النفس، وهاجر إلى الولايات المتحدة الأمريكية بعد صعود النازيين إلى السلطة في ألمانيا، واشتغل في التدريس في الولايات المتحدة والمكسيك، له عدة مؤلفات، منها: “الإنسان بين الجوهر والمظهر”، و”الخوف من الحرية”، و”كينونة الإنسان”.