وهم العمق التفسيري والآليات العقلية خلفه

وهم العمق التفسيري والآليات العقلية خلفه
في تجربة أجراها باحثان من جامعة ييل عام 2002، طُلب من مجموعة من الناس الثلاثة طلبات التالية: قيم مدى فهمك لكيفية عمل شيء ما، مثل: سحاب البنطال، ثم اشرح العملية بالتفصيل، وأخيرًا أعد التقييم من جديد، وغالبًا ما يدرك الناس أن معرفتهم محدودة ويخفضون تقييمهم بعد محاولتهم الشرح. أطلق الباحثان اسم “وهم العمق التفسيري” على هذه الظاهرة، وعُرِّفت بوصفها نوعًا من التحيز المعرفي يميل الناس بسببه إلى الاعتقاد بأنهم يفهمون كيفية عمل الأشياء بشكل أفضل مما هم عليه في الواقع.

لا شك أننا لسنا جاهلين بشكل مطلق، فكل منا خبير بمجاله، ولكننا في معظم الموضوعات نعتمد على معرفة مجردة غير محللة، ويرجع ذلك إلى أن العقل نفسه ليس مبنيًّا لاكتساب التفاصيل حول كل كائن أو موقف فردي، وإنما يميل إلى البحث عن أنماط وروابط بين المعلومات لتكوين فهم شامل، حتى لو كان هذا الفهم سطحيًّا. يمكن أن يكون هذا الوهم مفيدًا في بعض الأحيان، لأنه يسمح لنا بالتعامل مع العالم دون الحاجة إلى فهم كل تفصيلة صغيرة، لكنه في العادة يكون مصدرًا للأخطاء وسوء الفهم، من ناحية أخرى يمكن تفسير هذه الظاهرة من خلال نظرة العقل إلى العالم، إذ يتعامل العقل مع العالم على أنه مكان منطقي، ولذلك نعتقد أننا نفهمه.
في تجربة أخرى، قرأ المشاركون نصوصًا على شاشة الكمبيوتر من خلال نافذة صغيرة تتبع حركة العين، ورأوا أن النص كامل منطقي ذو معنًى، دون أن يدركوا أن ما يُعرض على هذه النافذة هو في الحقيقة مجرد تسلسلات عشوائية من الحروف، إذ يفترض الإنسان أن العالم من حوله منطقي ذو معنًى، ولذلك لا يرى العقل الحاجة إلى تخزين المعلومات لأنها ليست غريبة عنه ومتاحة حوله، فلماذا نحتاج إلى معرفة كيفية عمل سحاب البنطال بالتفصيل، في حين يمكننا النظر إليه واستخدامه متى أردنا؟
الفكرة من كتاب وهم المعرفة: لماذا لا يفكر الإنسان منفردًا؟
إن العقل البشري معقد متناقض، فهو قادر على الإبداع والتفكير العميق، وفي الوقت نفسه يمكن أن يكون محدودًا غير منطقي، فنحن قادرون على تحقيق إنجازات باهرة كاستكشاف الفضاء والوصول إلى القمر، وتطوير الخضراوات المعدلة وراثيًّا، وفهم أسرار الذرة، لكن في الوقت ذاته، نجد أنفسنا غافلين عن الكيفية التي توصلنا بها إلى معظم هذه الأمور، فالجميع يعاني وهم الفهم بدرجات متفاوتة، وهو الاعتقاد الزائف بأننا نفهم كيفية عمل الأشياء، في حين أن فهمنا الحقيقي لها محدود، ألا تصدقني؟ حسنًا.. دعنا نجرب الآن
لنختر شيئًا بسيطًا غالبًا ما تراه في حياتك اليومية على مقياس من 1 إلى 10، كم تقدر مدى فهمك لكيفية عمل سحاب البنطال؟ يبدو الأمر بسيطًا، أليس كذلك؟ احتفظ بالرقم الذي وضعته، ثم أحضر ورقة وقلمًا وحاول شرح تلك العملية تفصيليًّا، بعد ذلك قيم فهمك مرة أخرى، هل تغير الرقم؟ ربما أصبح أقل، على الأرجح سيحدث ذلك.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو “لماذا لا ندرك حقيقة جهلنا؟ ولماذا نظن أن فهمنا عميق عندما يكون الواقع مغايرًا؟”، هذا ما سيجيب عنه كتابنا من خلال تشريح مفصل للآليات العقلية التي تقف وراء هذه الظاهرة، كما سيوضح لنا كيف وصلنا إلى هذا التقدم الكبير الذي نعيشه اليوم رغم وجود هذه الظاهرة، وسيقدم لنا أيضًا طرائق لحلها.
مؤلف كتاب وهم المعرفة: لماذا لا يفكر الإنسان منفردًا؟
ستيڤن سلومان: عالم نفس يهتم بدراسة الجوانب المعرفية للكيفية التي يفكر بها الإنسان منفردًا وفي المجتمع، يعمل أستاذًا في قسم العلوم المعرفية واللغويات والعلوم النفسية بجامعة براون في الولايات المتحدة الأمريكية، نشر مجموعة واسعة من الأعمال في مجلات مرموقة مثل: The New York Times، وBBC World News، له كتاب آخر بعنوان:
“Causal Models: How People Think about The World and Its Alternatives”
فيليب فيرنباخ: عالم نفس معرفي، حصل على درجة الدكتوراه في العلوم المعرفية من جامعة براون، يعمل حاليًّا أستاذًا للتسويق في مدرسة ليدز لإدارة الأعمال في جامعة كولورادو، يهتم بدراسة طرائق تفكير الناس ويطبق أبحاثه من أجل مساعدة أصحاب الأعمال والمستهلكين والمديرين على اتخاذ قرارات أفضل، إذا يشغل منصب المدير المشارك لمركز أبحاث القرارات المالية للمستهلكين، وهو أيضًا عضو في معهد العلوم المعرفية بجامعة كولورادو.
ملحوظة: لا توجد ترجمة عربية لهذا الكتاب.