وهم الشغف
هنتكلم النهاردة عن موضوع مهم وهو (الشغف).
في السنين الأخيرة: انتشر خطاب من الناس الناجحين (أو اللي بنعتقد إنهم ناجحين) إنه علشان تنجح في شيء لازم يكون عندك شغف له.
شيء محدد أنت مخلوق علشان تعمله.
ولو عرفت الشيء دا؟
فأنت هتعمله بدون تعب أو إرهاق، ودا لإنك بتحبه، وعندك شغف تجاهه.
والحقيقة إن دا مش صح.
وإن الخطاب دا نوع من (المخدرات) اللي بتتصدر للناس على السوشيال ميديا؛ علشان تقنعهم إن النجاح سهل، وإن اللي ناقصك بس تعرف شغفك.
ووقت ما هتعرفه؟ كل مشاكلك هتتحل.
وهتبقى ناجح ومؤثر زي الانفلونسرز اللي بتشوفهم دول.
* الخطاب دا مش خاطئ وبس.
بل وبيعمل مشاكل كمان.
يعني أنت هتوقف حياتك لحد ما تعرف ايه الشيء اللي مخلوق علشانه دا، أو هتفضل تغير في شغلك أو هتبقى ناقم عليه؛ لأن معندكش شغف تجاهه.
ولإن كلامنا هنا عن الثانوية والجامعة..
فممكن نقول كمان إن تأثير الخطاب على الطلبة دول، اللي لسا في بداية عمرهم..
إنه بيصيبهم بحالة من التوهان، ويخليهم مش عارفين يختاروا ايه، وليه؟
وهل لازم يختاروا جامعة معينة مثلًا، أو تخصص محدد ويلتزموا بيه لبقية حياتهم؟
ولا ايه بالظبط؟
خليني أدردش معاك، وأوضح لك شوية نقط من خلال تجربتي.
1. الشغف مش حالة بتكمل معاك علطول.
يعني مفيش حد كل يوم بيصحى يروح وظيفته فريش ونشيط؛ علشان عنده شغف لشغله.
الحياة الواقعية فيها تعب وألم وإرهاق، ومكابدة.
فالشغف لوحده مش كافي علشان تستمر.
ولا هو نفسه هيستمر.
2. التفضيلات بتتغير.
يعني الطفل الصغير اللي بنسأله عاوز لما تكبر تبقى ايه؟
فيقول ظابط أو دكتور.
هو ميعرفش مهام الظابط ايه، ولا ايه هي مسؤوليات الدكتور.
كذلك بردوا طالب الثانوية العامة اللي داخل الجامعة..
مبهور بكلية الطب مثلًا، بس ميعرفش ايه المواد اللي هيدرسها، ولا الصعوبات اللي هتواجهه.
هو اختار الكلية دي مثلًا لأن الناس كلها بترفع من قدر اللي دخلوها.
فلو دخل ولقى ميوله مش متوافقة مع الكلية دي، أو حابب يدرس حاجة تانية.
مش هيغير التخصص؛ لأنه اعتقد إن التخصص دا دراسته إلزامية، وإن ميوله وتفضيلاته ثابتة.
ودا مش حقيقي.
أحنا بنستكشف نفسنا كل يوم.
3. مينفعش تاخد قرارات بناءً على الشغف.
يعني متبقاش مثلًا في كلية، أو بتشتغل في وظيفة ما وتصحى الصبح تقول شغفي مش في الجامعة دي، أو في الشغلانة دي؛ لازم أسيبهم وأشوف شغفي فين.
دا ببساطة غلط.
* أنت محتاج تشتغل على حاجتين:
1. تطور مهاراتك باستمرار، وتدور على الفرص مش الشغف، وتخوض تجارب جديدة، وتنوع مصادر دخلك قدر الإمكان.
2. تحقق التوازن في 4 دواير في حياتك.
* دايرة الشغف واهتماماتك الشخصية.
* دايرة العمل والدخل.
* دايرة المهارات والإمكانات.
* دايرة الرسالة، والدعوة المطلوبة منك دينيًا.
4. لو لقيت شغفك الدنيا مش هتبقى وردي.
الأساس اللي بينبني عليه أي إنتاج حقيقي هو (الالتزام).
إنك تروح الشغل وتجيب دخل تصرف بيه على نفسك وبيتك، وفي نفس الوقت تداوم على تطوير مهاراتك والبحث عن الفرص.
بل والبحث في مجالات تانية؛ علشان تعرف بتحب ايه وعاوز تكمل فيه.
لكن اعتقادك إن بمجرد ما تعرف شغفك فين، أو إنه بمجرد ما تسيب الوظيفة كل حاجة هتتضح من تلقاء نفسها؛ فدا مش حقيقي.
5. حياتنا كلها مش بتدور حوالين الشغل أو الدراسة بس.
يعني فيه جوانب تانية كتير نهتم بيها..
زي الأسرة، زي العبادة وأمور الآخرة.. وهكذا.
فلما تحط الشغل في مركزية حياتك أنت بتهمل باقي الجوانب.
ممكن متكنش محتاج حاجة من الشغل غير الفلوس مثلًا،
وبالتالي تصحى وتروح الشغل، وتاخد مرتبك آخر الشهر وتنفق بيه على أهلك.
من غير ما يكون عندك شغف أو شيء للشغل.
مجرد وسيلة لإنك تعيش حياة راضية.
بس زي ما قلتلك في البداية:
الخطاب اللي بيصدر لينا دا مشوه، وبيضع الشغل والشغف في مركزية الحياة، وإنك هتفضل فاشل طول ما أنت مش عارف شغفك ايه.
6. لو أنت شخص متعدد المواهب: فبلاش تحصر نفسك في خيار واحد.
أو تتعامل على إنك لازم تلزم نفسك بشيء واحد فقط تكمل فيه حياتك.
سيب مساحة لتجريب وتعلم كذا شيء.
ممكن أصلًا تكون من الأشخاص (متعددي المواهب والقدرات) فتكون بتحب الرياضيات مثلًا والجغرافيا، وممكن تدرس الاتنين وتنجح فيهم.
بلاش تخلي مكتب التنسيق يتحكم في اختياراتك وتفضيلاتك.
ممكن تدرس وتتعلم أي شيء أنت عاوزه جوا الجامعة، وبرا الجامعة.
وبس كدا.
سلام.